تألّقي بالعلمِ نحوَ الكمال

 

بقلم ::: أُم حيدر الموسوي

لقد اصطفى اللهُ (تعالى) عيناتٍ من النساءِ كما اصطفى من الرجال، وضربَ بهن في القرآنِ الكريمِ الأمثال، ممّا يدلُّ على قابليةِ المرأةِ وأهليتِها لبلوغِ أعلى درجاتِ الكمال، وأنْ تكونَ في موقعِ الاقتداءِ والريادة، وفي مُستوى التفوّقِ والامتيازِ على سائرِ بني البشرِ نساءً ورجالاً، فبرزتْ في مجالِ العِلمِ الكثيرُ من النساءِ في الماضي والحاضر.
والعلمُ مطلبٌ شرعيٌ لصلاحِ الدينِ؛ فالمرأةُ لها دورٌ عظيمٌ، ومكانةٌ رفيعة، وصلاحُ دينِها يقودُها للقُربِ من اللهِ (تعالى) ونيلِ الفيوضاتِ الإلهيةِ والرحمةِ الربّانيةِ.
والتعليمُ ضروريٌّ لزيادةِ وعي المرأةِ بحقوقِها وتعرّفها على أهمِّ واجباتها؛ لتعيشَ حياةً كريمةً، وعلاقةً زوجيةً سعيدةً إنْ كانَ الزوجُ مُنصفًا لها، وإنْ لم يكُنْ مُنصفًا يُعلِّمُها الإسلامُ الصبرَ على إيذائه، طلبًا للأجرِ من اللهِ (تعالى)، أو اتباعَ الأساليبِ الصحيحةِ في تعامُلِها وحلِّ مشاكلها.
كما إنّ العلمَ مُهمٌّ لتنميةِ وعيها حولَ الاهتمامِ بنفسِها وبعائلتها، لضمانِ حياةٍ صحيّةٍ سليمةٍ.
والعلمُ يُحصِّنُ الدّينَ من الزللِ والتحريفِ، ويُحصِّنُ المرأةَ من الفِتَنِ واتباعِ الأهواءِ والشهوات، وأيضًا يُعزِّزُ قُدُراتِ المرأةِ ويعملُ على تثقيفِها ممّا ينعكسُ إيجابًا في تربيةِ أولادِها وتعامُلِها معهم، وتنشئتِهم تنشئةً سليمة.
كما إنَّ حضورَ المرأةِ المُسلمةِ درسَ العلمِ النافعِ في المسجد، وانطلاقًا من نيّةٍ خالصةٍ لله (تعالى)، وعزيمةٍ صادقةٍ على الاجتهادِ والمُثابرة، لكسبِ العلمِ والمعرفةِ، لتحقيقِ الخِشيةِ للهِ (تعالى) وإحرازِ التقوى، لهي من أهمِّ العواملِ المُثبتةِ لها على طريقِ الهداية.
وإنّها بحرصِها على حضورِ درسِ العلمِ ابتغاءَ رضا اللهِ (تعالى) وثوابه توفَّقُ لإزالةِ الجُهدِ عن نفسِها، وتحسينِ عبادتها، ومعرفةِ أخواتِها المُسلماتِ، ومُشاركتهن المعلوماتِ والمهارات، فمن هذه تتعلّمُ قوّةَ الإرادةِ والثبات، ومن تلك تتعلّمُ التواضُعَ والسمتَ الحسن، ومن الثالثة تتعلّمُ كيفَ تحفظُ آياتِ الكتابِ والروايات، ومن الرابعة تتعلّمُ المبادئَ والأخلاقيات، إلى غيرِ ذلك من الفوائدِ والمنافعِ التي تكتسبُها المُسلمةُ من لزومِ حضورِ درسِ العلم.
والمرأةُ دائمًا ما تكونُ مسؤولياتُها كبيرة، وتزدادُ صعوبةً إذا لم تكُنْ تمتلكُ علمًا ومهاراتٍ كافية، تساعدُها على التعامُلِ الصحيحِ مع ضغوطاتِ الحياةِ التي تُقابلها، فالعلمُ كفيلٌ بمُساعدتِها لتوسيعِ مداركِها وتحمُّلِ ما يُحيطُ بها، ويُمكِّنُها من التعامُلِ الصحيحِ في مواجهةِ الأمور.
لذا فإنَّ تأثيرَ العلمِ بالغٌ في حياةِ المرأة، فهو يُغيّرُ حياتَها جذريًا، ويجعلُ نظرتَها للأمورِ مُختلفةً، فإذا ما نالتِ المرأةُ حقَّها في التعليم، قامتْ بدورِها الإنساني والرسالي على أكملِ وجهٍ، وخيرُ قدوةٍ ومثالٍ على ذلك السيدةُ زينبُ الحوراء (عليها السلام)، فحينما دخلتْ في مجلسِ الطاغيةِ يزيد (لعنه الله) بغطرسته وجبروته، ومعها نساءٌ بلا كافلٍ ولا مُعينٍ، أسيرات، ثكالى، مفجوعات، استمدّتْ قوتَها من العِلمِ وتسلّحتْ به، نصرةً لدينِها وإكمالًا لثورةِ أخيها، فردّتْ على شماتتِه بعِزّةٍ وشموخٍ وإباء: “ما رأيتُ إلا جميلًا”..
أيُّ جميلٍ ورؤوسُ حُماتِها فوقَ الرماح؟!
الجميلُ معرفتُها أنَّ تضحيةَ الحُسينِ (عليه السلام) كانتْ لحفظِ دينِ اللهِ (تعالى)، وابتغاءِ رضاه، ولأعلاءِ كلمةِ الحق..
الجميلُ علمُها أنَّ مصائبَهم بعينِ اللهِ (تعالى)، وبذلك تزيدُ درجاتُهم ومقاماتُهم في الدُنيا والآخرة..
الجميلُ يقينُها أنَّ سبيَها من بلدٍ إلى بلدٍ، وصمودَها وخطاباتِها وسائلُ إعلاميةٌ لنُصرةِ إمامِها وتخليدِ قضيتِه وفضحِ فسادِ أعدائه؛ لتزلزلَ عروشَهم وتهدمَ بُنيانهم.
الجميلُ أنَّ قضيةَ الحُسينِ (عليه السلام) باقيةٌ خالدةٌ لا ينطفئُ نورُها، ولا يُخمَدُ ذكرُها، تتجدّدُ آثارُها عامًا بعد عام.
رأتِ العقيلةُ كُلَّ شيءٍ جميلًا؛ لسِعةِ علمِها وإدراكِها للأمور، فلم تنظرْ للأمورِ بظاهرها، بل رأتْ بعينِ البصيرةِ أنّهم هم المُنتصرون على مرِّ التاريخ والفائزون برضا الله (تعالى).
وعليه، فبإمكانِ المرأةِ المُتعلّمةِ أنْ تكونَ منبرًا مُتحرِّكًا وحوزةً مُتنقلةً تنشرُ العلمَ وتُبلِّغُ الدينَ لأسرتِها وجيرانها وزميلاتها في العمل والمُجتمعِ الذي تعيشُ فيه، وأينما حلّتْ وذهبتْ، توجِّهُ وتنصحُ وتنصرُ الحقّ، وتُبيّنُ الأحكامَ الشرعيةَ.
وليبقَ حاضرًا في أذهانِنا أنَّ طريقَ العلمِ حافلٌ بالمشقةِ ويحتاجُ إلى الصبرِ ومُجاهدةِ النفسِ، فلا يُنالُ فضله بالفتورِ والتكاسُلِ والتسويف، وأنَّ السعيَ في طلبِه جهادٌ وعبادة.. فالعلمُ أفضلُ ذُخرٍ للعباد، وخيرُ ما اكتسبتْه النفوسُ وانتفعتْ به القلوب.

وختامًا، علينا أنْ لا ننسى أنَّ لنا إمامًا غائبًا (عجل الله فرجه) ينتظرُ أنصارًا وأعوانًا وقادةً وجنودًا ومُمهّدينَ لدولته الشريفة، فنسأله (تعالى) أنْ يوفِّقَنا لطلبِ العلمِ وأنْ نكونَ باجتهادنا في نيلهِ من أنصارِه، وتكونَ لنا أدوارٌ في دولتِه، وتمهيدٌ لظهورِه بتعلُّمِ علومِ مُحمّدٍ وآله ونشرِها وإظهارِ حقِّهم ومظلوميتهم (صلوات الله وسلامه عليهم) .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات