♦️ يوم عرفة …. يوم التوبة العظيم

 

قال تعالى : (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فأن الله يتوب عليه ان الله غفور رحيم ) .المائده ٣٩

التوبة من حيث النِعم هي تلك النّعمة العظيمة التي منّ الله سبحانه بها على عبادهِ فهي حبل الله ومدد عنايته .
وقد اهتم الإسلام اهتماماً خاصاً بمسأله توبة الإنسان إلى ربه كما و حثّت الرويات والآيات الشريفه على التوبة لدرجة أنّ الله سبحانه أمر الجميع بها وبقوله : (وتوبوا الى الله جميعا ايها المؤمنون لعلك تفلحون ). النور ٣١
والتوبة من حيث المعنى هي الإنابة والأبوة وتراجع الإنسان عمّا اقترف وأقدم عليه من فعل سيّء وقبيح يمقته الله ولايرضاه ، فيندم الإنسان على فعلته تلك ويرجع عنها منيباً إلى ربه تائباً من فعلته محاولاً التخلص من التبعات والآثام التي لحقته ولزمته ، فليجأ الى ربه يرجوه مستغفراً أن يمحو سيئاته التي اقترفها.
وهنا يتذكر وعد الباري الرؤوف ( التائب من ذنبه كمن لاذنب عليه )
وكما قال الرسول (صلى الله عليه وآله ): ( التائب حبيب الله ).

وفي مدرسه القرآن ومدرسة أهل البيت حيث ينتهل الإنسان وخصوصاً المذنب المجترح للسيئات من مصفى العسل الخالص و يرتشف من رحيق تلك الآيات والروايات التي تعيد الإنسان الى جادّة الصواب فما عليه سوى أن يرجع وأن يتفقد الطريق إلى الله وإلى أهل العصمه حيثُ السعادة والراحة الابدية والنعيم الذي لاينفذ والمنقذ من كل هلكة.
فهذا مولى الموحدين وسيد المتكلمين امير المؤمنين( عليه السلام ) يقول : ( توقوا الذنوب فما من نكبه ولانقص رزق الا بذنب حتى الخدش والكبوة والمصيبة ) (ميزان الحكمه).
و قال تعالى : ( وما اصابكم من مصيبه فبما كسبت ايديكم ويعفوا عن كثير )( الشورى).

يقول بأبي وأمي فما زالت نعمه ولا نظارة عيش إلاّ بذنوبٍ اجترحتموها إنّ الله ليس بظلامٍ للعبيد ولو أنّهم استقبلوا ذلك بالدعاء والإنابة لما نزلت بهم النقم وما زالت عنهم النِعم فلو اهرعوا إلى الله عزَّ وعجل بصدق من نياتهم ولم يهنوا ولم يسرفوا لأصلح لهم كلَّ فاسد ولردَّ عليهم كلَّ صالح
فهناك علاقة بين الذنب والتوبة ، إذ كما أنّ بين الأمراض الصّحيه التي يعانيها الإنسان وبين الذنوب التي يقترفها شبهاً قوياً في نشأتهما وسوء عاقبتهما عليه ، كما تنشأ أغلب الأمراض عن مخالفةٍ للأرشادات الصّحيه التي يوصي بها الأطباء لوقاية وعلاج الابدان ، وخير شاهدٍ مايحدث الآن لنا مع فايروس كورونا وسوء إتباع الإرشادات الصّحية، كذلك تنشأ الذنوب عن مخالفةٍ للقوانين الألهية والّنظم السماوية التي شرّعها الله تعالى لإصلاح البشر وإسعادهم، وكما يختص كل مرض بأضرارٍ خاصة وآثارٍ سيئة تنعكس على المريض في صور من الاختلاطات والمضاعفات ، كذلك الذنوب فأن لكلِّ نوعٍ منها مغبة سيئة وضرراً فادحاً و خطير قد تسبب للإنسان الوان المآسي والشقاء، ولان اشتركت الأمراض والذنوب في الضرر والأذى ، فأن الذنوب أشدّ نكاية واسوأ اثراً من الأمراض ؛ لسهولة معالجة الأجسام من الأمراض وصعوبة معالجة النفوس، لذلك كانت الذنوب سموماً مهلكة، وجراثيم فاتكة، تعبث في الإنسان فساداً وتعرّضهُ لصنوف الأخطار ، فبعد معرفة غوائل الذنوب .. وأضرارها المادية والروحية والتشابه بينها وبين الأمراض الجسميّة في فداحتهما وسوء آثارهما على الإنسان فكما يجب المسارعة لمعالجة الجسم من الجراثيم قبل استفحالها وضعف الجسم عن مكافحتها كذلك تجب المبادرة الى تصفية النفس وتطهيرها من آثار الذنوب ودنس الآثام قبل تفاقم غوائلها وعسر زوالها ولعلاج الذنوب هلموا بنا الى المدرسة العظيمة، مدرسة أهل البيت ، مدرسة القران الناطق، الماثل أمامنا حياةً وروحاً وسلوكاً راقياً ، ليرتقِ بالإنسان إلى مصافِّ الملائكة حيث القدس والطهارة من كلِّ دنس، تلك هي مدرسه الحسين ( عليه السلام ) و دعائهِ في يوم عرفه حيث يقول : (انا يا الهي المعترف في بذنوبي فأغفرها لي .. انا الذي اسأت .. انا الذي اخطأت.. انا الذي هممت .. انا الذي جهلت الهي امرتني فعصيتك ونهيتني فأرتكبت نهيك …… الخ ).

اي توبة تلك التي شوّقها إلينا ومهّد لها ، منطلقاً في ذلك من قوله سبحانه: (قل ياعبادي الذين اسرفو على انفسهم لا تقنطوا من رحمه الله ان الله يغفر الذنوب جميعا) ( الزمر ٥٣ ).
توبة عظيمة تلك التي نلهج فيها بذكر الله ونستغفره ونتوب اليه ونحن في أحب البقاع وأعز الأزمنه ومع اقرب الخلق على الله إنّها عرفة والأشهر الحرم والحسين سيد الشهداء كيف لايكون ذلك التكون العظيم في حياة الإنسان وكيف لاتكون توبته ورجوعه إلى الله عظيمة ومقبولة وهذا كافياً لجعل هذا اليوم يوماً عالمياً للتوبةِ، كيف لا وكلُّ شيءٍ فيه لله ومنه وإليه
رزقنا الله وإياكم مغفرته وعفوه ورضوانه وشفاعة محمد (صلوات الله عليه وآله ).

بقلم / زينب محمود بلاسم

مجمع المبلغات الرساليات / فرع البصرة المركزي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات