الأسرة قربانٌ إلهيّ : في ضوء زواج النورين / حوارٌ يصنع التكامل

مقدمة : حين يصبح البيت محرابًا

في هذا اليوم المبارك، نستحضر الميثاق الأنقى الذي جمع بين عليّ وفاطمة عليهما السلام، فكان زواجهما شعلة نورٍ في درب البشرية، وبيتهما نموذجًا سماويًّا لحياةٍ روحيةٍ متكاملة. لم يكن ارتباطهما مجرد عقدٍ دنيوي، بل كان قربانًا إلهيًّا، نُسج على أساس العبودية لله، فصار محرابًا يتردد فيه صوت الدعاء، ويشع منه نور الطاعة، وتُسكب فيه دموع المناجاة.
ومن هنا، نسعى في هذه المقالة إلى تقديم رؤية أسرية مستلهمة من ذلك النور؛ رؤية تجعل من البيت محطةً للتزكية، ومن العلاقة الزوجية جسرًا إلى الله، تقوم على الحوار البنّاء وفهم الفروق والتكامل بين الشريكين.

أولًا: الأسرة قربانٌ يُهدى إلى الله

الزواج في المنظور الإسلامي ليس غايةً دنيوية ولا وسيلةً للمتعة فحسب، بل هو بناءٌ يُرضي الله، ويُهيّئ الإنسان لسلوك سبيله إليه. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«ما بُني بناءٌ في الإسلام أحبّ إلى الله من التزويج».

حين تتّحد روحان بنيةٍ صافية، يصبح زواجهما سكنًا ورحمةً ولباسًا، لا مجرّد شراكة. وقد كانت نية عليّ وفاطمة عليهما السلام واضحة جليّة: عبادةٌ خالصة لله، تتجلى في صلاة الليل، ودموع التضرّع، وخدمة الناس، وتربية الأبرار.

فليكن زواجنا، أيًّا كان زمانه، امتدادًا لذلك القربان. ولنجعل بيوتنا:

محرابًا تعبديًّا تُقام فيه الصلاة وتُتلى فيه آيات الذكر الحكيم.

قلعةً روحية تُضيئها النوايا الصالحة، لا الزخارف والواجهات.

فضاءً للسكينة، حيث يطمئن القلب، ويصفو العقل، ويأنس الجسد.

ثانيًا: فنّ الحوار… جسرٌ إلى القرب والمودّة

يُقال: “الكلمة مفتاح القلوب”، ولذا أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

> «تكلّموا تُعرفوا».

غير أن الحوار في البيوت لا يكون دائمًا جسرًا، بل قد يتحوّل إلى هاوية، إن لم يُتقَن فنّه. وللحوار السلبي وجوهٌ كثيرة:

التعجيزي: حيث نُسلّط الضوء على الأخطاء دون تقديم حلول.

التجاهلي: الصمت المُهين الذي يقتل الروح ويصنع فجوةً صامتة.

السلطوي: فرض الرأي بالقوة وكأن الطرف الآخر لا وجود له.

الموافق المفرط: تكرار “نعم” من دون قناعة حقيقية أو رأي واضح.

أما الحوار الفعّال فهو:

1. تناصح بلطف، دون تجريح أو استعلاء.

2. تشاور في القرارات، ولو بدت صغيرة.

3. إقناع لا إجبار، عبر المنطق والاحترام.

4. تنازلٌ متبادل، لا يُفسد الودّ.

تعلمنا الحياة الزوجية أن نقول: “أنا أشعر بـ…” بدل “أنت دائمًا…!”، وأن نصغي قبل أن نحكم، فنُحسن الظن، ونلتمس العذر. وحينها يتحوّل الحديث إلى جسر محبة واتصالٍ روحي، لا مجرد تبادل كلمات.

ثالثًا: الفروق ليست عوائق… بل مفاتيح للتكامل

قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم… لِتَعَارَفُوا ﴾ (الحجرات: 13)

الاختلاف بين الرجل والمرأة ليس خللًا، بل حكمة إلهية لصنع التوازن. فروقاتنا:

نفسية: الرجل يميل إلى التحليل والصمت، والمرأة تعبّر بالكلام والمشاركة.

جسدية: طاقات مختلفة، وهرمونات تؤثّر على المزاج والعطاء.

فكرية: منهج تحليلي مقابل تفكيرٍ شبكي يربط بين الأحداث والمشاعر.

حين نحترم هذه الفروق، ونتعامل معها لا ضدّها، يتكامل الزوجان كما يتكامل الليل والنهار، لا ليُلغيا بعضهما، بل ليكتمل بهما الزمن.

فالزوج يوفّر الاستقرار والعمل، والزوجة تبثّ الحنان والحوار. وعندما يتفهّم هو تقلّباتها، وتقدّر هي صمته، يتحوّل الخلاف إلى فرصةٍ لفهمٍ أعمق، لا شرخٍ يُهدد الكيان.

خاتمة: زواجٌ على نهج النورين

في ذكرى زواج عليّ وفاطمة عليهما السلام، نقف بانحناءة إجلالٍ أمام هذا النموذج الربانيّ. وندعوكِ، أيتها الزوجة المؤمنة، أن:

1. تجعلي القرب من الله هو الأصل في علاقتك الزوجية.

2. تتعلّمي فن الحوار، وتربّي عليه أبناءك.

3. تحتضني الفروق، وتُحوّليها إلى قوةٍ للتكامل لا للخصام.

فلنُنشئ بيوتنا لا على أسس مادية، بل على قلوبٍ طاهرة، ونوايا صادقة، وصلواتٍ لا تنقطع.

نسأل الله أن يُبارك كل زواجٍ نُوي فيه وجهه، وأن يُرزق كل مؤمنٍ ومؤمنة بيتًا تُظلّله الرحمة، وتُضيئه المودّة، ويعلو سقفه بالتقوى.

✒️ بقلم :: ام حسين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات