إدارة الخلافات الزوجية

 

لا تخلو أسرةٌ من خلافاتٍ، إلا أنها لا تعني أنّ هناك انعدامًا تامًا للتفاهُمِ بين الزوجين، أو اختيارًا خاطئًا. نعم، قد تكونُ سببًا أساسيًا لخلافاتِ البعضِ، ولكن ليسَ الكُلّ.
الخلافاتُ أمرٌ مفروض في أغلبِ أُسرِنا، وأسبابُه كثيرةٌ، ولكن ينقصُنا فهمُ تلك الخلافاتِ لنتمكّنَ من إدارتِها وحلِّها بما يحولُ دونَ تفاقُمِها الذي يكون سببًا في تهديمِ العلاقة الزوجية.
وبدايةً نوضِّحُ حقيقةَ العلاقةِ الزوجيةِ التي تكونُ عبارةً عن مشروعِ عملٍ مستقلٍ يشتركُ فيه اثنان، بناءً على ضوابطَ وضعتها الشريعة.
ولذا وجبَ على الشريكينِ أنْ يعملا كفريقِ عملٍ واحد، يكونُ لكُلٍّ منهما مهامٌ يُكمِّلُ من خِلالها أحدُهما الآخرَ ليكونَ مشروعًا ناجحًا.
ومن خلالِ ما تقدَّمَ نستطيعُ أنْ نُشخِّصَ ونفهمَ أهمَّ أسبابِ الخلافاتِ التي تنشأُ من المُقارنات، مثلُ مُقارنةِ الزوجةِ زوجَها بآخر، وكذا الزوج. فلو فهمَ الزوجان أنّ علاقتَها عبارةٌ عن مشروعٍ مُستقلٍ، لما كانَ للمُقارناتِ أيُّ محلٍّ في علاقتهما.
الاستقلاليةُ تعني وجودَ علاقاتٍ زوجيةٍ أخرى، تختلفُ من حيثُ ذات الأزواجِ وبيئتهما وزمانهما وغيرها من أمورٍ أخرى، ومن ثم فالمُقارنةُ تُعدُّ مقارنةً غيرَ مُنصفة.
وقد يكونُ الخلافُ بسببِ تداخُلِ المهام، حيثُ إنّ العلاقةَ الزوجيةَ هي علاقةٌ تكامليةٌ بمعنى أنّ أحدَهما يُكمِلُ الآخر من خِلالِ المهامِ المنوطةِ به، فلو فهمَ الزوجان ذلك لما كانَ للخلافِ وجود، فكثيرٌ من الأزواجِ يشتكي من الطرفِ الآخر بأنّه لا يؤدّي عملَه وعندما نسألُ نجدُ أنّه ليس من مهامهِ، ممّا يُسبِّبُ خلافًا بينهما.
وهناك خلافاتٌ تنشأُ بسببِ إهمالِ الضوابطِ الشرعيةِ التي وضعتْها الشريعةُ لتكوينِ علاقةٍ زوجيةٍ ناجحةٍ مثل الاختيارِ الخاطئ.
هذه أهمُّ الخلافات، ولكي نتمكّنُ من إدارتِها بشكلٍ جيّدٍ لنحولَ دونَ تفاقُمها، علينا أنْ نُشخِّصَ موقعَ الخلافِ لنتمكّنَ من الحلِّ.
وبالرغمِ من أنّ الدراساتِ الحديثةِ قد وضعتْ حلولًا وطرقَ معالجات كثيرة لكن لا يُمكِنُها أنْ تصلَ إلى ما وصلت إليه الشريعةُ في مُعالجةِ الخلافات.
قال الله (تعالى): “وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”
لو دقّقنا بمفهومِ المودةِ الذي ينشأُ من الاختيارِ الصحيحِ لشريكِ الحياة لتمكنّا من حلِّ الخلافِ الذي يُعكِّرُ صفوَ العلاقة، فإدارةُ الخلافِ لحلِّه يكونُ بالحُبّ؛ إذ العاطفةُ كفيلةٌ لإذابةِ كثيرٍ من الخلافاتِ، من خلالِ الكلماتِ الرقيقة مثل: حبيبي أو حبيبتي، فهاتان الكلمتان لهما من الأثرِ الشيء الكثير.
أما إنْ كانَ هناك اختيارٌ خاطئٌ لإهمالِ بعضِ الضوابط وكانَ هو السببَ في كثيرٍ من الخلافاتِ فعلينا أنْ نلجأ للمفهومِ الثاني الذي أشارتْ إليه الآيةُ الكريمةُ وهو الرحمة؛ فمفهومُ الرحمةِ مفهومٌ واسع، ولو أدارَ الزوجان خلافاتِهما من مُنطلقِ الرحمةِ فسوف نجدُ سياسةَ الحوارِ والصبرِ وطيّ الخلافِ وغيرِها من أمورٍ حاضرةٍ في كُلِّ خلافٍ ليُعلنَ عن انتهائه.
وقد تنجمعُ المودةُ والرحمةُ في كثيرٍ من العلاقاتِ ممّا يوسعُ من سُبُلِ إدارةِ وحلِّ الخِلافاتِ الزوجية، على العكسِ من انعدامِها من العلاقةِ والعياذُ بالله، فلو انعدمتِ المودةُ والرحمةُ بين الزوجين فالحياةُ ستنقلبُ إلى جحيمٍ وقد يلجأ أحدُ الطرفين لإدارتِه وحلِّه بالكي من خِلالِ الطلاق وهو أبغضُ الحلال.
ومن هُنا فنحنُ ندعو الأزواجَ إلى تفعيلِ المودةِ والرحمةِ بينهما ليتمكنوا من تخطّي كثيرٍ من الخِلافات، وقبلَ ذلك ندعوهم لفهمِ حقيقةِ العلاقةِ الزوجيةِ لتجنُبِ الخلافاتِ والعيشِ بهدوءٍ واستقرار.
فإدارةُ الخِلافاتِ بأيدينا، لا ينقصُنا إلا تفعيلُ تلك الإدارةِ بما يحولُ دونَ تفاقُمها.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات