♦️ومـا أدراك ؟

 

كُلّما حاولتُ فتحَ أبواب معرفةِ ليلة القدر أوصَدتْها لي الآية الكريمة “وما أدراك ما ليلة القدر”. لستُ ممّن يحبُّ الطمع، لكنّي أجدُ نفسي طمّاعةً تريدُ أنْ تعرفَ حقيقةَ تلك الليلة العظيمة، فلا أجدُ سوى ردِّ الباري (عزَّ وجل) على سؤال “ما أدراك؟”، بقوله: “ليلةُ القدرِ خيرٌ من ألفِ شهر”، فخُيّل لي أنَّ الله (سبحانه وتعالى) يُحِبُّ ذلك الطمع الذي جثا على قلبي لمعرفةِ تلك الليلة، لكنّه لم يعطِ التفاصيل، وإنّما أجملَ الإجابةَ بقوله: “خيرٌ من ألفِ شهر”، واكتفى بذلك ليفتحَ لي أفُقَ التعرف عليها بنفسي من خلال العمل.
فعكفتُ أبحثُ في رواياتِ المعصومين، وكُتُبِ المفسرين لسورة القدر، ومع عجائب ما تمَّ ذكره، ولا أنوي سَردَ الأحاديث والتفاسير؛ لكونها ليست مخفيّةً عن الكثير، ولكنّها إشارة لثمرة مطالعتي، فقد وجدتُ ضالتي في أنّ الجميع اتفق على أنّها ليلةٌ تُحيا بالعبادة؛ وذلك من خلالِ مقارنةٍ بسيطة بين ما تمَّ في تلك الليلة من أحداثٍ مهمة منها: نزول القرآن الكريم، ووفود الملائكة زُرافاتٍ زرافات، وغيرها مما ذكرته الكتب، وبين ما يُقدّر في تلك الليلة للإنسان، والتي يُمكنُ للإنسان مع كونه مُختارًا أنْ يُحقَّقَ بعضها بإذنِ الله، ولا يكونُ ذلك إلّا بالطاعة، ومن أهم مصاديق الطاعة إحياء ليالي القدر، وهو الجامعُ الذي لا يُمكن أنْ يكون له حدٌ بمفهومه الواسع، لكنّها تتحقق بالعبادة في تلك الليلة العظيمة؛ لكونها أوضح مصاديق الطاعة.
وها أنا من جديد أقفُ حائراً أمام سؤالٍ، مع علمي بأني لستُ الوحيد الذي يطرح هذا السؤال، وسؤالي هو: لماذا لم يُبيّن الله تعالى تفاصيل تلك الليلة ويُحدّدها خصوصًا مع كونه قادرًا على ذلك؟ سؤالٌ قد يفرح لطرحه الملحدون، والعلمانيون؛ لجهلهم!
والجوابُ عن ذلك: لو بيّن اللهُ تعالى تفاصيلَ كلِّ شيءٍ، فهل يبقى معنى لقولهِ (تعالى): “وما أدراك؟”، ولفُتِحَ باب الاتهام على الله (سبحانه وتعالى) بالعبثية بكلامه (جلّ عن ذلك). وليس ذلك وحسب، فلو بيّن اللهُ تعالى تفاصيل ما يجري على الإنسان من شقاءٍ أو راحة، لتمَّ إغلاق أبواب المعرفة ولسادَ الخمول والاتكال والجهل على البشر، ولم يبقَ للعلمِ والعملِ أيّ طعمٍ أو لونٍ أو رائحة، ولن يبقى لعلمانيّتهم -النابعة من علمهم كما يدّعون- أيّ محلٍ، ولزادَ المُلحدون بإلحادهم.
فذلك الإبهام والإجمال هو الدافع الذي جعل الجميع يتهافت لتلك الليلة لإحيائها، لا فقط البشر، بل حتى الملائكة، لهم في إحياء تلك الليلة نصيب!
ومن هُنا، علينا أنْ نفهم الحكمةَ من ذلك الإخفاء والإبهام لتلك الليلة، وهو أنّه يكمن في دعوةِ الله (سبحانه وتعالى) لنا للعملِ في تلك الليلة بكلِّ ما هو خيرٌ من عباداتٍ وأعمالٍ صالحة، وأنْ تُرفَع الأيادي له بالدعاء والتضرع، فيعلم الإنسان من خلال تلك الليلة مدى فقرهِ وغنى مَن رفع يده ليدعوه وهو الله (سبحانه وتعالى)، ومدى عجزه وقدرة الله تعالى، فلولا قول الله: “وما أدراك؟”، لكنّا في عُتمةِ الجهل والإلحاد، فليلةُ القدرِ ليلةٌ نفهمُ من خلالِها التوحيد الحقيقي، وإنْ كانت مُجملةً، فلا يضرُّ الإجمال بقدرِ ضرر الجهل، ولذا لتكن تلك الليلة مفتاحَ المعرفة، فلنطرق بابَ الله تعالى في ليالي القدر ونسأله الخير، ولا ننسى أنْ نسأله تعجيل الفرج لمولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات