مشعل القربان

 

بسم الله الرحمن الرحيم (وقضى ربك ألا تعبد إلا إياه)
وقال سبحانه (إن هذه امتكم أمة واحدة وانا ربكم فأعبدون)

قد يجهل الكثير من الموحدين أن علة الخلق هي العبادة بعد تحقق المعرفة الموجبة لتلك المقدمة السامية، ونصفها بالسامية من حيث أنها أرقى المراتب التي قد يصل إليها الانسان وهو يرتقي سلم التكامل وصولا الى ساحة القدس الإلهي، وقد يختلف مفهوم العبادة من شخص لأخر، فنجد وللأسف الشديد أن أغلب الناس يفصلون مابين أفعالهم الحياتية وأفعالهم العبادية بناءا على فهم خاطىء لهذا المفهوم، لذا قسم علماء العقائد التوحيد الى التوحيد النظري والتوحيد العملي.
فالتوحيد النظري يعني أن الفرد لا يرتب اثارا للتوحيد في مسار حياته ، فيقتصر ذكره للتوحيد على الفرائض كالصلاة والصوم والحج، وما خلا ذلك يسلك سلوكا شهوانيا يؤدي الى ضياعه في منزلقات الهوى والشيطان، وذلك قوله تعالى (ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى)
أي الأعراض عن مطلق الذكر والتغافل عن وجود الله، فيعمل الانسان بمقتضى مرادات نفسه معرضا عن مرادات الله سبحانه.
اما التوحيد العملي فهو استشعار معنى العبودية المطلقةلله سبحانه، وتغليب رضا الله على رضا النفس في كل حال و زمان ومكان، ومرتكزات هذا السلوك هي المعرفة بالله والمشارطةعلى ترك الذنوب والمعاصي والمراقبة فلا يغفلن امرء عن نفسه فيهلك، ثم المحاسبة للتعويض بالاستغفار ، أي تستند اولا وآخرا الى الجهد الذاتي للموحد،ويكون له بالغ الاثر في حياته وتعاطيه مع مخرجات الواقع المعاش، لذلك نقول ان العصمة متاحة لكل فرد يداوم على تربية نفسه وتهذيبها.
في ظهيرة عاشوراء جاهدت قوى الشر في سبيل طمس معالم التوحيد العملي المتجسد في ال بيت النبوة وظنوا أن قتلهم لذرية الرسول الاعظم سيطفىء شعلة التوحيد في وجدان الامة لكن السيدة زينب عادت واشعلتها من جديد ومنحتها زخما قويا عندما رفعت جسد اخيها الطاهر وهي تناجي “الهي.. تقبل منا هذا القربان”، وهل تقدم القرابين إلا على مذبح العبادة !
اتقدت شعلة الدين من تلك الحركة العبادية المحظة، وكانها في محراب عبادة وليست ساحة حرب،قدمت قربان الطاعة والخضوع للرب المعبود، وتلك كانت اروع صور التوحيد العملي الذي تجلى في ذلك الموقف العظيم، ومن منا يقوى على ذلك، من هناك بدأ التصدع في جدار الشرك والنفاق ومع كل خطوة وكل خطبة كانت قصور الوهم الاموي الجاهلي تتهاوى بمن فيها
فتزداد شعلة التوحيد المحمدي الاصيل اتقادا وحرارة ، كيف لا ومدادها تلك الدماء الزواكي الطاهرات التي سالت على أرض كربلاء وهذا مصداق قول الامام عليه السلام “ان كان دين محمد لن يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني”
فالسلام على ناصرة الدين الحنيف ، المحامية المدافعة عن أمام مضى شهيدا قد سمحت نفسه بمهجته رضا بقضاء الله وقدره،
فلولا اهل البيت عليهم السلام لما عرفناالمعنى الحقيقي للعبادة التوحيدية الخالصة لوجه الله تعالى

يقول الامام الحسين عليه السلام في دعاء عرفة:
“اللهم أني أرغب اليك وأشهد بالربوبية لك مقرا بأنك ربي وأن إليك مردي…..
أوجبت علي حجتك بأن ألهمتني معرفتك وروعتني بعجائب خلقك…
وأوجبت علي طاعتك وعبادتك …..
ويسرت لي تقبل مرضاتك…..”
فإن كانت السيدة زينب عليها السلام جبل الصبر ، فهي ايضا معلما توحيديا تربت في مدرسة سادة التوحيد اصحاب الكساء الاطهار، فنالت الكرامة الالهية واستحقت ان تكون خليفة الله في ارضه وصوت الحق الناطق بين عباده.

بقلم :: أم حوراء النداف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات