إضاءات سجادية

 

 

حينما يكون الحديث عن عظيم من العظماء ونور من الانوار الالهية ،تتأرجح السطور اضطرابا ويقف المداد حائرا، فتتلعثم الحروف والكلمات وأي كلمات تلك التي تروي عطش الظمآن وهي عاجزة عن نيل المراد؟ وكيف اذا كان الحديث عن زين العابدين وسيد الساجدين؟! .شعاع من تلك الانوار التي اراد الظالمون اطفاءها، ويأبى الله الا ان يتم نوره.
كان الامام السجاد من افضل اهل زمانه خلقا وورعا وعلما ،فكان عليه السلام يربي خدمه وإمائه التربية الاسلامية الصحيحة ويعلمهم العلم والحلم ثم يعتقهم ليكونوا احرارا في الدنيا وافرادا صالحين في المجتمع، فكان بيته مدرسة متكاملة يتخرج منها العلماء.
وفي هدأة الليل وسكونه ينادي ربه بصوت رقيق كأنه همس الندى في السحر في طلاوته فتنساب روحه الى بارئه بمنتهى الضراعة، وبعدها يحمل على ظهره اثقال السفر الطويل.. فيتفقد الفقراء والايتام دون ان يشعر احد بذلك، وهو بهذا العمل يحفظ كرامتهم ويطفأ حرارة جوعهم، عن الامام الباقر عليه السلام يقول:(كان علي بن الحسين يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به ويقول :ان صدقة السر تطفئ غضب الرب) ” 1
نشأ امامنا السجاد في بيت النبوة ومهبط الوحي وهو من أئمة الهدى الذين طهرهم الله تعالى تطهيرا وعصمهم بلطفه، وله عند الله تعالى رفيع المقام، قال رسول الله صلى الله عليه وآله :(اذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش ليقم زين العابدين فيقم هو) “2.
لقد تربى امامنا في ذلك البيت الذي تحمل اقسى محن الزمان ومصائبه في سبيل الله، استقبل الامام في طفولته محنة جده امير المؤمنين عليه السلام وهو يتخبط بدمه في بيت الله، ومن ثم محنة عمه الحسن وهو يلفظ كبده من السم، ثم شاهد في شبابه مصرع ابيه.الحسين.. فيهده اعصار الحيرة الخانق وهو يرى بعض خطوط الفاجعة التي حلت بأبيه وأخوته وبني عمومته وسبي عماته واخواته من كربلاء الى الكوفة والى الشام ثم الى المدينة، وهنا يأتي دوره مع عمته زينب عليها السلام، فالثورة لم تكتمل بعد وما تم نسجها وسوف تندثر وتنطوي في صفحة النسيان ان لم يتحمل ما عليه من العبء الثقيل، استطاع الامام السجاد ان يؤكد مظلومية ابيه الحسين ويفضح طاغوتية يزيد، فانه حشد عواطف الامة مع الحسين وبالفعل تفاعلت الامة مع واقعة كربلاء على انها اعظم الوقائع.
فكان لطيب سيرته وابتعاده عن زخارف الدنيا والتفات الناس حوله الاثر الكبير في حقد الامويين وتصميمهم على التخلص منه كما فعلوا مع اهل بيته، فدس اليه السم بأمر من الوليد اللعين، وهكذا افل قمرا اخر من اقمار آل محمد.. هاهو السجاد يشد الرحيل بعد سنين من الجهاد والعلم وتربية الامة الاسلامية، واعلاء كلمة التوحيد، عمرا مليئا بالحوادث، وها هي المواكب الالهية تنتظر أوبة الروح العظيمة وعودها الى بارئها الى مقعد الصدق وبهجة الخلود، ها هي تحف بهذه الروح وتلك النفس الرهيفة وتحيط بها تعظيما واجلالا، فتشيعها الى ربها بأجمل مشهد لقاء بين حبيبين…
…. .. .. . … … …. .. .. …. .. . …. ..

1-البحار ج46ص66
2-المنتخب من سيرة المعصومين ص236

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات