عباءة برائحة الطفوف

اللجنة المركزية:
عباءة برائحة الطفوف

همّت آمنة بفتح باب المنزل وإذا بها تسمع صوت أمّها وهي تقول :
-آمنة حبيبتي لاتنسي العباءة!
امتعضت آمنة كثيراً وعضّت بأناملها الرقيقة على ما تحمله بيدها من قرطاس و أجابت أمها دون أن تلتفت:
-لكن أمي المسافة قصيرة الى بيت الخالة أم علي وملابسي فضفاضة و محتشمة!
لم تسمع آمنة أي رد، ففهمت أن لا مناص لها من الأمر فعادت أدراجها وأرتدت العباءة على مضض وهي تتمتم متبرمة:
-العالم وصل إلى المريخ وإكتشاف المجرات ونحن لازلنا عالقين في العباءة.
وحال خروجها من المنزل صادفت احدى صديقاتها، فطالعتها الاخيرة بنظرة تعجب ساخرة وهي تقول:
-السلام عليك يا آمنة …تبدين كجدتي بهذه العباءة .
قالتها وهي تضحك في حين إزداد إنزعاج آمنة فتركتها وانطلقت نحو الدرس في بيت جارتهم السيدة أم علي فلحقتها صديقتها:
-مهلاً انتظري ، كنت امزح فقط.
وهناك نالت نصيبها من التعليقات الناقدة تارة والمؤيدة تارة أخرى، جادت بها حناجر الفتيات ممن حضرن الدرس.
كانت السيدة أم علي إمرأة متديّنة درست العلوم الإسلامية وقررت تخصيص جزءاً من وقتها لتعليم الفتيات بعض احكام التلاوة والأحكام الشرعية الأبتلائية، وقد استمعت إلى جدال الفتيات حول موضوع الحجاب من الغرفة المجاورة، فتعمّدت التأخير وأنصتت إلى ملاحظاتهن جيداً لتكون مطّلعة تماماً على مايجول في تلك الرؤس الصغيرة من أفكار وتساؤلات.
وفي تمام الساعة التاسعة والنصف بدأ الدرس ،وساد الهدوء بعد أن ارتفعت الأصوات بالصلاة ثلاثاً على النبي وآل النبي، لكن وقبل ان تبدأ المدرسة الكلام إنبرت احدى الفتيات تتسائل:
-خالة هل الحجاب فرض واجب؟!
واردفتها أخرى
-هل يجب ارتداء العباءة ؟!
-لماذا الحجاب فُرض على النساء دون الرجال؟
-هل يجوز للأب ان يفرض الحجاب على إبنته؟
وهكذا توالت الأسئلة حول الموضوع والمدرّسة تصغي إليهن وقد علت وجهها إبتسامة حنونة وحينما انتهوا نظرت إليهن نظرة عطف ومحبة، ثم حاولت التخفيف من حدّة توترهن، فقالت مازحة :
-يبدوا ان سيل الأسئلة قد انتهى، لقد خشيت فعلا ان أغرق ، فأمتلاء المكان باصوات ضحكاتهنَ البريئة والطفولية.
-نعم ياحبيباتي إضحكنَ، ألأمر ابسط بكثير مما تتصورن .
التعلم واكتشاف المجهول أمر فطري عند الإنسان، ومن الجيد لكم وأنتنَّ في هذه السن المبكّرة ما بين العشر او الأحدى عشر عاماً أن تفهموا وتتعلموا سر هذا التكليف المميز، والآن اصغوا إليَّ جيداً، أنتن جميعاً طالبات مدرسة
صحيح؟
والان سأطرح عليكم سؤالا،
لماذا يجب ان ترتدوا زي موحّد في المدرسة ؟
تأملت الفتيات في السؤال قليلاً ثم اجابت إحداهن:
-لأنّه القانون!
-صحيح القانون، ولكن
لماذا وضع هذا القانون؟
لم لانرتدي في المدرسة ملابس عادية كالتي نرتديها حين نزور أقاربنا او اصدقائنا؟!
أجابت فتاة أخرى وهي غير مقتنعة بالأمر :
-لن يكون مناسباً، سيكون هنالك الكثير من الألوان
-سننشغل بالملابس، قالت فتاة اخرى .
-سنحتاج الى الكثير من الثياب فأنا لا احب التكرار.
-الزي المدرسي افضل.
وتجاوبت معظم الفتيات مع العبارة الأخيرة لزميلتهن.
ثم أضافت إحداهن قائلة:
-اصلاً لن أشعر إني طالبة اذا لم أرتدي هذا الزي، ففي احدى المرات واثناء عودتي من المدرسةشاهدت إبنة الجيران وهي تغسل باب بيتهم وكانت قد تركت الدراسة، فنظرت إليَّ، حينها شعرت بالفخر لأني طالبة وأرتدي هذا الزي وحمدت الله على هذه النعمة.
وقالت فتاة أخرى:
-في السفرات العلمية يطلبون منا إرتداء الزي الموحد لإن بعض الاماكن مثل المتاحف يسمحون للطلاب، بالدخول مجانا .
جمعت المدرسة كلتا يديها امامها على الطاولة وقالت:
-إذاً تتفقون معي على أهمية الزي الموحّد .
فأومات الفتيات برأسهن ايجابا.
فتابعت قائلة:
-الآن إذكروا لي بعض المؤسسات التي فيها زي موحد عدا المدرسة.
فذكروا الشرطة، المستشفى، رجال الإطفاء، عمال المعمل…..الخ.
قالت السيدة أم علي:
-إعلمنَ ياعزيزاتي أنه هنالك فوائد عديدة للزي الموحد مثلا؛ الشعور بالإنتماء والاعتزاز بهذا الانتماء، الشعور بالمساواة، الالتزام بالقواعد، عدم التركيز على المظاهر وغيرها من المزايا، علماً إنّ لكلِّ واحدة منها أثر وخصوصية.
طيب سأطرح عليكن سؤال آخر:
– إذا ذهبنا إلى بلاد الغرب مالذي يميّز المسلمة
عن غير المسلمة؟
نظرت في أعينهن وقالت بثقة:-
أليس هو الحجاب .

انتظرت برهة من الزمن ثم تابعت وهي تتحسر:
-يوم القيامة سيتمنّى الجميع لو أنهم ينتمون الى أمّة
سيدنا محمد صلى الله عليه وآله لما يرونه من الكرامات التي يحضى بها رسول الإسلام وأتباعه من المسلمين الثابتين على نهجه ومبادئه. أما في الحياة الدنيا وبسبب الثقافات الغربية الدخيلة جعلوا الفتاة المسلمة تكره الحجاب وتتصور إنّه قيد، في حين إنّه عنوان إنتماء ودليل طاعة العبد لربه. فنحن أولاً وآخراً عبيد لله الواحد القهار ،وهو الذي فرض الحجاب على المرأة في القرآن الكريم، وتحديداً في سورة النّور، وحدّد أبعاده بما لايقبل الجدل والنقاش، ثم إنّنا قد تعلّمنا وفهمنا معنى أن الله عادل حكيم لا يفعل شيء إلا عن حكمة وهو أعلم بمخلوقاته وما ينفعها وما يضرها، لذا جاءت التشريعات الإسلامية وفقاً لمصلحة المخلوق ،

ولطفاً ورحمةً من الخالق سبحانه، فلماذا لا نثق بما يختاره لنا الله بينما نثق بما يختاره لنا بشر مثلنا لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولاضراً!!
ساد الصمت للحظات لإتاحة الفرصة للتأمل والتفكر ثم تابعت:
-أمّا العباءة ، وهي مثار الجدل بينكم ، فهي التطبيق الشرعي الحقيقي للحجاب الذي أراده الحق سبحانه من حيث كونها ساترة لأعضاء البدن ولا تحكي تفاصيله، وهو الأمر الذي لايتحقق في اي نوع اخر من الحجاب، وإن تحقق فبها ونعمت.
العباءة مستوى راقي جداً من الألتزام بقانون الشريعة المقدسة. ودلالة واضحة على الإنتماء للدين الإسلامي.
طبعا من واجب الوالدين ان يدرّبا بناتهم على الحجاب الشرعي الصحيح، لكن ليس بالإجبار إنّما بالتحاور والإقناع ، فلا يوجد إنسان عاقل يفضّل معصية الله على طاعته.
صمتت برهة من الزمن و جالت بعينيها في أرجاء الغرفة وكأنّها تبحث عن شيء ضائع ، تنهدت وخنقتها عبرتها، ثم عادت ونظرت الى الفتيات اللاتي بان عليهن التأثر لتغيّر حال معلمتهم العزيزة وقالت:
هل تعلمنَ يا عزيزاتي إنّ أكثر الأمور إيلاماً على قلوب أهل البيت كان سبي النساء .
نساء آل بيت النبي هنّ من أفضل النساء ديناً وعلماً وتقوى وهنَّ من المخدرات ، اي لم يرهنّ احد سوى الآباء والأخوة والأزواج، كان سترهن عزيز عليهن كثيراً، فكلّما ازداد شرف المرأة زاد حجابها واحتشامها.

كانت ظروفهم في غايةالصعوبة، حاولوا عزيزاتي ان تستشعروا الحال، أسرٌ وغربةٌ وجوعٌ وعطش، ورغم ذلك لم يتهاونوا في أدق جزئيات الدين ومنها الحجاب، كانت السيدة زينب عليها السلام حريصة على حفظ حجاب النساء العلويات فتوصيهن بالإنتباه من جهة، وتنهر الناس عن تصفح وجوههن من جهة أخرى، وإلّا فإنّ رسول الله سيكون خصمهم يوم القيامة.
السيدة سكينة ورغم حال السبي وظروف الأسر ومرارة السفر مع الأجانب، عندما عرض عليها أحد صحابة رسول الله في الشام أن يقضي لها اي حاجة تريد ، لم تطلب ماء ولا طعام ، بل طلبت منه إعطاء حامل رأس ابيها بعض المال ليتقدم بالرأس فينشغل الناس برؤيته ويكفون عن النظر الى بنات الرسالة، فهي تأبى حتى مجرد النظر إلى وجهها.
واليوم للأسف نجد بعض الفتيات والنساء يخرجن الى الشارع وجل همّهن أن ينظر إليهن النّاس فيتصفحوا وجوههن واجسادهن وملابسهن لا تمت للدين بصلة.

الأهتمام بالمظهر الخارجي ليس عيباً بل هو أمر مطلوب والدين يحث على النظافة والترتيب شرط ان لايصبح الشغل الشاغل للفتاة المسلمة.
لاتزال خطبة السيدة سكينة منبراً للعلم والنور في سفر التاريخ الخالد وتعكس روحاً ملئوها العلم والتقوى ولم يعيقها الحجاب عن القيام بدورها في فضخ جرائم بني أمية وتعريف الناس بأحقيّة موقف أبيها الحسين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين.

في ذلك اليوم عندما عادت آمنة الى المنزل وقفت تنظر الى صورتها في المرآة وهي ترتدي العباءة
وقالت : بثقة وكأنها تجيب على السؤال الذي طرحته الخالة ام علي في نهاية الدرس “من تريد ان تكون في قافلة السيدة سكينة؟”
أنا سأكون معكي سيدتي سكينة فأمسكي بيدي ولا تتركيني!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات