♦️يوم عرفة••• بوابة الأمل والرجاء

رستْ سفينةُ المذنبين على ساحلِ بحر التوبة ، إنّه يومُ عرفة ، يومُ التوبة .
وأعناقُ التائبين ممدودة ، ترجو الله لا يردّها خائبة
كيف يردّها وهو غفّار الذنوب •••

مهما بلغتْ الذنوبُ فإنها تُغفر مع توبةٍ نصوحة ، ورجوعٍ حقيقي لساحةِ العبودية .
فهناك مَن ينسى حقيقةَ عبوديته لله ويُنكر فضلَ الله ونعمهُ اللامتناهية عليه ، ويُسقط دورُ التربية الربانية في بناء شخصيته، ليعيش تحت ظلِّ نفسه الفرعونية ، حينئذ نجدهُ يتصرفُ من موقع المالك المطلق وسيتخذ عباد الله خَوَلاً (خدماً وعبيداً) ، ومالهُ دولاً (يتداوله هو والمقربون منه) ولن يكتفي بإمتلاك رقبة المال وصهوته ، بل سيمتلك رقاب الناس وصهوة الحياة بأسرِها ؛ لسببٍ واضح و هو إنّه لشدة غرقه في بحر الأنا ، أصبح لا يرى الرقابة الالهية عليه …
وصار لسان حاله (أنا ربكم الأعلى ) فالمال ماله ينفقه
كيف ما شاء
ومتى ما شاء
وأنّى شاء
في الملذّات والشهوات والنّزوات ويمسكه عمّن يشاء ، ممّن خالفه أو أنكر عليه ذلك ، ولا يرى النّاس إلّا عبيداً يجرهم الى مآربه الدنيئة كقطيع ومتى ما شاء
أرسلهم إلى المجازر بلا تردد ولو بمقدار لحظة

فغياب الرقابة الألهية في داخله وطغيان النّفس وجبروتها ، كان السبب في تعامله مع الناس والعباد معاملة الآمر الناهي ، فهو الرب وهم العاصون والمتمردون وفق رؤيته التي أسس لها من خلال (الأنا ) الشيطانية .
فالرقابة الألهية متى ما نسيها الإنسان وأسقطها من حياته فإنّه سيأمن من أي عقوبة ، وكما ورد في قول :
((ومن إمن العقوبة أساء الادب))

ليصبح طاغوتاً وجباراً في الأرض.
وفي ظل ذلك الغرق في بحر الذنوب التي تصيّر البعض فراعنة ، فلا نجده يلتفتُ إلى صحوة القلب إلّا عند إطلاق صفّارات الإنذار من داخل صدره ، عندها سينتبه إلى وجود إختلال في وظائفه ، ليقف عند تلك الذنوب التي اقترفها متعجّباً ،
ويفكّر في كيفية العودة لساحة العبودية
فبعض الأمراض الجسدية التي تتفاقم على الإنسان لحد الإهمال قد تستدعي تدخلاً جراحياً للعلاج ، ذلك الأمل الذي يصنعه الطب في حياة ذلك المريض .
أيُعقل أن يترك الله (سبحانه وتعالى ) ذلك الغارق في الذنوب بلا أمل بالرجوع إليه ، كيف وهو الذي كتب على نفسه إنّه الغفور الرحيم ،
فتلك النّفس التي انتبهت لصافرة الإنذار ، ووعت لذلك النداء الحقيقي للعودة والتوبة
لتقف عند قوله تعالى :
((أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ))
كيف يتركها الله (سبحانه وتعالى ) وهو الذي من رحمته بعباده أنّهم إذا أذنبوا وارتكبوا معصيةً مهما كانت تلك المعصيةُ في العظمِ والجرم فإنه يقبل توبتهم، ويصفح عن زلتهم، متى ما انتبهوا ، فهو قد خلقهم وعرف مكامن الضعف في نفوسهم وعرف كيف يتساقطون أمام التّجربة الصّعبة من خلال نوازعهم الذاتية، فأراد لهم أن يتراجعوا عن الإنحراف ويأخذوا بأسباب القوة من جديد، لتستقيم لهم الشخصية الإنسانية التقية المؤمنة، ففتح لهم باب التوبة، بأوسع مجالاتها،
لتدارك ماقد سلف من إنحرافٍ ومعاصي وإبتعادٍ عن الله فكانت
ليلة عرفة ويومها من أعظم تلك المحطّات والمجالات ، فهي الساحل الذي سيقف عنده ذلك الغارق .
فهنيئاً للذين اتخذوا من تلك الليلة العظيمة ويومها مركباً ، وأبحروا إلى ربّهم فكانوا يأنسون بما في تلك الليلة ويومها من محطات عبادية فاتّخذوها وسيلة لهم للتعبير عن الندم لما اقترفوه
فرسموا خارطةَ طريقٍ للإنسان المؤمن لترسم له مسيرته في الحياة نحو الله؟!…
ولا ننسى إن لكلِّ ذلك مقدمات ، ألا وهو الإستغفار الذي يمهّد الطريق لحصول التوبة ،والتي بدورها تهيّىء الإنسان لنيل الفضل والرحمة الإلهيتين وهما يساعدان الإنسان على تحصيل الطّهارة الروحية والمعنوية وهذه الطّهارة والتّزكية تفتح الطّريق للإنسان أكثر فأكثر.
ويوم عرفة من اعظم المحطّات العبادية والروحيّة التي تسمو فيها روح الإنسان في مدارج الكمال فهو يوم الأنس بالله ويوم الإنابة والتوبة والعودة الى الله وهي افضل فرصة لمكاشفة الإنسان لذاته وإعادة حساباته.
روي عن الامام الصادق(عليه السلام) انهُ قال : ((ان اعظم الناس ذنبا من وقف بعرفة وظن ان الله لم يغفر له))
فلا تتردد في الرجوع إلى الله حتى وإن كثرت ذنوبك ؛ فالذيِ سترك وأنت تحت سقف المعصية…. لن يخذلك وأنت تحت جناح التوبة…!!

قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

بقلم ::  «العلوية أم محمد الموسوي»

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات