♦️إشراقة أمل

كثيرة هي الكتب التي اقرأها، تأخذني بعيداً ثم تعيدني الى حياتي، التي تتشابه مع تلك الكتب، بصفحاتها التي أقلبها بيد يدي، فحياتنا كتلك الكتب، إلا إنّ الفارق أننا نحن مَن نتولّى كتابته تحت ظل أقدار إلهية، و كل يوم من حياتنا هو بمثابة صفحة جديدة، فكما إنّ ضوء الصباح يتجدد بإشراقة الشمس التي أخذت على عاتقها في كل يوم، بأن تضع حداً لظلمة الليل المخيّم بسواده وعتمته.
رائع ذلك الدرس الذي تعلمنا إياه الشمس،
و علينا أن نتعلم الدرس من إبتسامة الشروق، ففي كل إشراقة للشمس، يوم جديد، وصفحة جديدة، لم تُقرأ بعد، لأنها ما زالت في طور الكتابة، ولكنها تحمل بين طياتها بواعث الأمل.

ومن هذا الدرس الرائع نتعلم كيف نضع حداً لليأس؟
وكيف ننظر للمشكلات التي تعترينا من وجهة نظر أخرى ؟

فكم من شخص يعيش خيبات الأمل، ويعاني أزمات، ولكنه يبيت على أمل الفرج في إشراقة الصباح التالية، وكم من شخص تؤرقه مشكلة، وإذا بشروق جديد ليوم آخر، يبدد قلقه واضطراره، ويجعله بوضع نفسي أفضل، وقدرة على المجابهة أكبر.

وليس هذا بالشئ العجيب، فأبواب الرحمة الإلهية مشرعة في الليل والنهار، فباب للتوبة، وباب للمغفرة، وباب لإستجابة الدعاء.

ورحمة الله قوة، يستمد منها الضعفاء معاني الفرج والخلاص.
وهي أمن يتنزّل على القلوب الهلعة الخائفة، فيغمرها بالطمأنينة والسكينة، وهي مغفرة تنتظر التائبين، المستغفرين العائدين، لتكفّر عنهم سيئاتهم، وبالتالي فهي أمل.

وإبتسامة الشروق تقول لكل شخص منّا:
أزح عن وجهك سحابة الكآبة والتشاؤم …
فأنت ابن اليوم المشرق الجديد،
إنظر الى جمال الأزهار، وروعتها في تفتّحها، وكأنها في كل يوم مولودة للتّو، واستمع لزقزقة العصافير وشدوها، وكأنها تشدو لأول مرة، وتأمل الوجود بأكمله، وهو دائب الحركة، ويرفض السكون، إنظر وأعتبر بما حولك، وإلا تأسّنت كالمياه في البركة الراكدة .

وكن مع الشاعـــرالذي يقول:

أعلِّل النفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل…

إنّه ينطلق من روحية الأمل، التي تبدد الأوهام وتذلّل العقبات.
ونحن لانملك إلّا ان نعيش في بحبوبة أمل دائم لايزول، ومشرق لايأفل.

بعد ان آمنا بالله وصدقّنا بوعده الإلهي إذ وعد الله المؤمنين والصالحين، والمتّقين والعاملين، وعوداً كثيرة ، وهو في كل ما وعد، صادق الوعد (ومن أصدق من الله قيلاً).

والتأمّل في هذه الوعود، يزرع في النفوس أشجار الأمل الظليلة.
فحينما نقرأ قوله تعالى (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم )، فهذا سيبعث في أنفسنا راحة وطمأنينة تعلوها بارقة أمل.

وخير مايدعونا الى التفاؤل والأمل، والرجاء الواسع، هو أنّ ثمة جزاءً عظيماً، ومكافأة كبرى في إنتظارنا، وهي الجنة ورضا الله سبحانه وتعالى، وجاء في الحديث الشريف :((من وثق بالمكافأة أجاد العمل )).
وقيل أيضاً: ذهب العناء وبقي الأجر، فالمكافأة مادية أم معنوية، تخفف من الآلام وتبعث على النشاط والتحمّل، وتغرس في القلوب المؤمنة الأمل .

وأخيراً أقول لكم إخوتي الفضلاء،
أخواتي الفاضلات…
في ظل هذه الأجواء الملبّدة بالتشاؤم، والبؤس، والقنوط، ماعلينا فعله هو أن نؤدي تكليفنا الشرعي، ونكون من الآملين المتفائلين حقاً.
وان نعلم بأن الله كلّفنا بواجبات ومسؤوليات، لاتسقط عنّا، إلا في حدود وظروف وشروط معيّنة، ليس اليأس منها بالتأكيد، وسواء وفّقنا في عملنا أم لم نوفّق، فإن لسان الحال يقول :(معذرة الى ربكم ولعلهم يتقون)
فما يهمّنا هو العمل، وليس الأرباح الآنية والمنافع الدنيوية .
(والباقيات الصالحات خير عند ربّك ثواباً وخير أملاً )، والمهم أيضا، أن نرحل من هذه الحياة وقد قمنا بواجباتنا على قدر مانستطيع .
ولقد أجاد من قال:
على المرء ان يسعى بمقدار جهده
وليس عليه ان يكون موفّقا…

فإذا عرفنا تكليفنا الشرعي، وعملنا بموجبه، فسنكون من الآملين الراجين، سواء حقّقنا أم لم نحقٌق النتائج المرجوّة.
فكتاب الحياة بانتظار أقلامنا، لنكتب في كل اشراقة صباح، اشراقة فرج قريب، ذلك هو الأمل الذي علّقنا عليه امنياتنا الجميلة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات