السيدة خديجة(ع) في وجهة نظر الرسول (ﷺ) واهل البيت (ع)

تعجز الكلمات ويعجز التعبير عن وصف هذه الزهرة المباركة التي كانت تفوح منها رائحة الصدق والإخلاص، حيث آزرت وجاهدت بجميع الأساليب هذه الانسانة الجليلة الطاهرة التي كانت من أعظم النساء شرفاً وعفة وأعظمهم منزلة كانت  كريمة وأماً حنونة ومثالاً للزوجة الصالحة والمرأة الرزينة العاقلة حيث كانت صابرة محتسبة على المشاكل والاكاذيب لا ينبض لها عرق بلين أو تخوف بل تقطع قناطر الدموع ببسمة كبرياء وتستقبل العاصفة وشظاياها المشتعلة وتحولها الى برد وسلام على قلب زوجها الحبيب وهي  من أكثرالناس حباً لرسول الله (ﷺ) وتضحية ووفاء كانت تسانده في كل مشاكله وبقيت  تسانده الى آخر لحظة من حياتها وكان الرسول الكريم أيضاً يحبها حباً كثيراً ويحترمها ويثني عليها ويكفينا شاهداً على ذلك قول  عائشة: «ما غِرتُ على أحدٍ من نساء النبي‏(ﷺ) ما غِرتُ على خديجة، وما رأيتُها، ولكن كان النبي‏(ﷺ) يُكثرُ ذكرها، وربّما ذبح ‏الشاة ثمّ يقطّعها أعضاءً ثمّ يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنّه لم يكن في الدنيا إلّا خديجة! فيقول: (إنّها كانت، وكانت، وكان لي منها الاولاد)(1)  

ولم يكفي أنها كانت زوجة صالحة وإمراة عفيفة فقد كانت إمرأة كريمة فقد أنفقت اموالها في سبيل الله حتى أن النبي(ﷺ)  قال (مانفعني مال قط مثلما نفعني مال خديجة)(٢)

حيث كان الرسول (ﷺ) يفك من مالها الغارم والاسير ويعطي الضعيف ومن لا والد له ولا ولد ووصفها الرسول (ﷺ) انها من الكاملات اذ قال :

((كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع مريم بنت عمران،آسية بنت مزاحم ،خديجة بنت خويلد ،فاطمة بنت محمد بن عبدالله ))(٣)

وهي ايضاً من المبشرات بالجنة، قال رسول الله (ﷺ)  « أتى جبريل فقال : يا رسول الله هذه خديجة قد أتتك ومعها إناء فيه أدام ـ أو طعام أو شراب ـ فإذا هي أتتك فاقرأ عليها‌ السلام من ربّها ، ومنّي ، وبشّرها ببيت في الجنّة من قصب لا صخب فيه ولا نصب» (٥)

وبهذه الكرامات فإن التاريخ ليحني رأسه أمام عظمة أم المؤمنين خديجة (ع) ،ويقف أمامها خاشعاً مبهوتاً لدورها الإسلامي الكبير وتضحياتها الجمّة الجسيمة في سبيل العقيدة والمبدأ  وها نحن نذكر اليسير مما يشير إلى ذلك من خلال سيرتها وتاريخها .

لو لم يكن لهذه المرأة الا أمر واحد وهو شرف حمل سيدة النساء الزهراء (ع) لكفاها فخراً هذا الفخر الذي لا يدانيه فخر أن تحمل إحدى أقطاب الوجود الرباني وصلة الوصل بين النبوة الخاتمة والوصاية العظمى التي قال الله تعالى فيها (أنا أعطيناك الكوثر) فاستحقت خديجة (ع) أن يسلم عليها الله عزوجل بواسطة جبرائيل (ع) في عليائه واستحقت أن تؤنسها الزهراء (ع) وهي جنين في بطنها وأن يحضر ولادتها خير نساء الارض وحيث ولدت فاطمة (ع ) في تلك الليلة المباركة بوجود خادمتها أم أيمن وقد قاطعنها نساء قريش وفرح رسول الله بالزهراء البتول.

قالت خديجة (ع) يارسول الله أرأيت الانوار قال نعم قالت نزلن يساعدنني ونساء مكة قاطعنني ولكن الله تعالى أرسل لي نساء من الجنة قال النبي(ﷺ) نعم ولدت فاطمة طاهرة مطهرة وهي أم ذريتي .

أخذت قريش قرار المقاطعة إجتمعوا في منى وكتبوا صحيفة على مقاطعة بني هاشم حتى يسلموا محمد (ص) ليقتلوه ووقعوها 40 خاتم وقتها قال ابو طالب نقاتل لذلك وجاء النبي الكريم إلى بيته ورأى خديجة وسألها عن إبنته الزهراء (ع) وقال لها قريش عزموا على قتلي يجب أن نخرج إلى شُعب أبي طالب فنصبوا خيامهم هناك وكان موقف أم المؤمنين خديجة (ع) أن رافقت النبي (ﷺ) في أيام محنته وبلائه فجر الدعوة الإسلامية .

وقال لها النبي (ﷺ) أتاني جبرائيل ويخبرك أن الله تعالى يقرؤك السلام ويقول إقرأ خديجة وقل لها أن لا تحزن أن الله بنى لها بيتاً في الجنة قالت يارسول الله رب السلام ومنه السلام واليه يعود السلام . وكان النبي الكريم يطير بجناحين جناح أبي طالب وجناح خديجة وبالتالي أبو طالب كان يمثل الحماية السياسية والاجتماعية للنبي وخديجة كانت تمثل الحماية الاقتصادية والعاطفية للنبي (ﷺ) وكان النبي يقول في حق خديجة ماأبدلني الله خيراً منها . عندما احتضرت خديجة دعت النساء المقربات منها وأسماء بنت عميس كانت في الحبشة وكانت صديقتها المقربة وفاطمة (ع) كان عمرها ٦ سنوات والنبي دخل يودع خديجة وهي توصيه بفاطمة(ع) ونظر إليها والألم يحتصر قلبه ويقول بالكره مني مااراه وماتت خديجة (ع) وكانت وفاتها ووفاة ابو طالب في عام واحد وقد سمى النبي الكريم هذا العام بعام الاحزان وذلك قبل الهجرة ب ٣ سنين الصبرعلى الحصارولما كُتبت وثيقة الحصار الظالمة، وسيق المسلمين إلى الشِعِب، وقاطعتهم قريش وجوّعتهم، كانت خديجة مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – راضية محتسبة، ولم يصدر منها كلمة عتاب لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ولم تتبرم له، بل ثبتت معه في المحنة، وعزمت أن تبقى إلى جواره حتى تنقشع الظلمة، ورضيت أن تترك منزلها الفاخر وفراشها الوثير وتخرج

حبيسة مع رسول الله بين جبلين، تُعاني الحَر والقَر، تفترش الحصباء وتلتحف السماء، وتكابد الجوع والفقر، وهي الغنية الحسيبة.. تكابد الظمأ والخشونة، وهي السيدة الشريفة.. وطالت بها أيام الحصار وهي واثقة راسخة رسوخ الشم الروسي، سامقة سمو الجوزاء العوالي ..كل ذلك على مدار سنوات الحصار الثلاث من شهر المحرم للعام السابع للبعثة وحتى المحرم للعام العاشر للبعثة وعندما دخل النبي الكريم مكة فاتحا قالوا له يارسول الله اين تنزل نهيأ لك بيتا قال لا انصبوا لي خيمة في المعالي عند قبر خديجة (ع) لقد كانت خديجة شريكة النبيِّ في كلّ آلامه وآماله، والمسلّية له بما أصابه من أذىِ، بل كانت المعينة له على مكاره قريش؛ ومن هنا لم يتزوج في حياتها غيرها. بل وصفت بعض الوثائق تلك العلاقة الحميمة بين الرسول وبينها بالقول: وكانت خديجة (ع) له وزير صدق بنفسها ومالها (رضى الله عنها وأرضاها).

والجدير بالذكر هنا أنّ المعيار في الزواج الصحيح هو وحدة الفكر والهدف وسمو الأخلاق والعلاقات الزوجية الحميمة، لا العمر فإنّه يأتي بدرجة لاحقة ، ولاريب أنّ هذا الزواج المقدس كان الغرض منه أمراً مقدسا وكانت المثل الإلهية العليا هي التي تدفع لتحقيق ذلك الزواج، يقول ابن اسحاق: لما بلغ خديجة عن رسول الله  ما بلغها من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج لها في مال تاجراً إلى الشام و تعطيه أفضل ما تعطى غيره من التجار. مع غلام لها يقال له ميسرة، فخرج بذلك المال ثم أقبل قافلا إلى مكة و معه ميسرة، فكان ميسرة يحدثها عما شاهده من كرامات النبي وأخلاقه في تلك الرحلة، وكانت خديجة (ع) امرأة حازمة شريفة لبيبة مع ما أراد الله بها من كرامتها. فلما أخبرها ميسرة ما أخبرها بعثت إلى رسول الله وعرضت عليه الزواج وقال ابن سيد الناس: إن خديجة (ع) لما رأت من كرامات الرسول قالت له: يا ابن عم، إني قد رغبت فيك لقرابتك، ووسطتك في قومك وأمانتك، وحسن خلقك وصدق حديثك‏. إن قصة زواج السيدة خديجة (ع) من رسول الله تعتبر منعطفا مهما في حياتها ، ونقطة لامعة في تأريخها المشرف ، ودليلا واضحا على ما كانت عليه من روح الاستقلال والاعتماد على النفس ، والحرية ، والنَفَس الريادي ، والقدرة على اتخاذ القرار دون الالتفات إلى الموروث القيَمي للمجتمع الذي كانت تعيش فيه ؛ لذا لم يكن اقترانها بالنبي محمد (ﷺ) يشبه الزواج المتعارف بين الناس ، ولا بين الخاصة من علية القوم ، بل يعتبر هذا الزواج النموذج الوحيد من نوعه في الجزيرة العربية ، وخاصة بين قريش ، إذ كان ذلك القران الميمون المبارك خال من كل الدوافع ، لقد كان زواجا أنفسياً من الطراز الأول. فالسلام كل السلام على هذه الانسانة العظيمة والنور المضيء في عتمة الدنيا فماذا نستطيع ان نكتب ونسطر عن هذه المرأة الطاهرة التي فضلها ربها واعطاها هذه المنزلة العظيمة والتي كانت حبيبة رسول الله وأم أولاده 

والكثير من الدروس يمكن استخلاصها من سيرة السيدة خديجة (ع) ومواقفها الرائدة تصلح لأن يقتدي بها النساء عبر الأجيال ؛ فالسيدة الثرية التي كانت تملك ثروة طائلة ، وتدير تجارة عظيمة لم  تغرها زبارج الدنيا وزينتها ، ولا عن المال والشهرة ، وإنما كانت تبحث عمن يخدم هدفها الأسمى في الحياة ؛ فرفضت الاقتران بأصحاب المال والجاه ، واقترنت برجل فقير لا مال له ، وبادرت هي بعرض نفسها عليه ، وتحملت سخرية نساء قريش، وانتقادهن اللاذع لها ، ثم حملت معه مشعل الإسلام لتنير للبشرية دربها المظلم .

نعم كانت امرأة رسالية ورائدة لم يعهد مثلها إلا القليل من صانعي التاريخ ، صبرت وضحت من أجل مبادئها ، وكانت الزوجة ، والسكن ، والمعين ، والناصر ، والوزير لصاحب أعظم رسالة في تاريخ البشرية حتى عُدّ نصرها له أحد الدعائم التي قام عليها الإسلام.

ثاني نساء العالمين بعد ابنتها …

المصطفاة للمصطفى (ﷺ) …

حورية محمد (ﷺ) و حبيبته …

المظلومة الصابرة المجاهده        

يا ام فاطم لا تهمت بتهمة *

و قلب الهدى حوى لك اركانا 

عذراء احمد و الطهر التي *

صانها الله فما مسها انسانا *

و يا روح الصبا و قلب الربيع *

و لؤلؤة البحر العميق مصانا *

و يا بدراً في كبد السماء محله *

تنسى النجوم و يبقى ذكر اضوانا * 

براك الله حورية أحمد *

فأنت له قي دنياك و أخرانا *

المصادر

١)صحيح البخاري ٤/٢٣١

٢) الأمالي للطوسي: 468

٣)الفصول المهمة / ابن الصباغ المالكي : ١٢٩

٤)القصب : الزبرجد الأخضر المُرصَّع بالياقوت الأحمر

٥)أسد الغابة / ابن الأثير ٥ : ٤٣٨ ، تاريخ اليعقوبي ١ : ٣٥٤ ، الاصابة ٤ : ٢٨٢.

بقلم ::: سهير حاكم كريم 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات