مصباح صغير ( 1 )

أيهما أفضل أن تقول لابنك:”أنت مسلم، يجب أن تكون صادقا ونزيها” أو “كن صادقا ونزيها لتكن مسلما”
تعاني أغلب الأسر المسلمة من عدم إقبال أولادهم على الوظائف والتكاليف الشرعية عند البلوغ، والسبب ببساطة هو أنهم لم يألفوها او يعتادوا القيام بهذه الوجبات منذ الصغر، فتغدو في نظرهم قيودا تكبل حرياتهم و تحرمهم من مشتهيات انفسهم.يقول نبينا الاكرم محمد صلى الله عليه وآله:”يولد الطفل على الفطرة وأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه”
إذا هذه المعاناة هي صنيعة أيدينا نحن
“فطرة الله التي فطر الناس عليها” كل الناس.
“ومن احسن من الله فطرة”
سئل الأمام الصادق عن الفطرة فقال:”الفطرة هي التوحيد”
التوحيد هو إخلاص العبودية لله سبحانه، والأخلاص لا يتحقق إلا بالمعرفة والمحبة.
إن إهمال الوالدين لفطرة الطفل السليمة جهلا بأهميتها أو بوجودها أصلا والتركيز على الجانب المادي من حياته كالمأكل والملبس والدراسة الأكاديمية، يكرس عند الطفل الشعور بالغربة تجاه المفاهيم والأدبيات الدينية مستقبلا فلا يقبل عليها بنفس راضية.
فلو أن الوالدان يتعهدان اولادهم منذ نعومة اظفارهم بذكر الله سبحانه، وذلك بتعويدهم على البسملة إبتداءا لكل أمر و الحمد والشكر لله على تمامه، والدعاء والألتجاء الى الله عند الحاجة، والتسبيح عند رؤية أعاجيب آياته في البر والبحر، فسوف ينسحب ذلك الذكر الدائم على سلوكياته وأخلاقه لأستشعاره وجود الحق المتعال، فيسهل تربيته على الصدق وإن ضره ونبذ الكذب وإن نفعه والوفاء بالعهد وأحترام الكبير وغيرها من فضليات الاخلاق، لا لشيء إلا لأنه بعين الله السميع البصير.
يغمرانه بالحب والأهتمام والعاطفة الأيجابية الموجهة لكل خير مما ينعكس على شخصيته، فيغدو إنسانا محبا للغيرحريصا عليهم كحرصه على نفسه.
في هكذا أجواء سوف تنتعش الفطرة في ذاته كمصباح صغير، فتنير جنبات حياته ثم تتوهج شيئا فشيئا حتى يتصل شعاعها بضياء شمس الشريعة الغراء، فينجذب طواعية للتكاليف التي إلفها حين كان يجالس أباه أو أمه على سجادة الصلاة، يكبر ويهلل بلغته الطفولية الشجية، يضع جبهته الرقيقة على الأرض ساجدا مسبحا ويرفع كفيه الصغيرتين داعيا:
-ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
“وأمر اهلك بالصلاة والزكاة مادمت حيا”
يقول الرسول الاكرم محمد صلى الله عليه وآله”اذا عرف الغلام يمينه من شماله فمروه بالصلاة”
ويقول الإمام علي عليه السلام”أدب صغار بيتك بلسانك على الصلاة والطهور…..”
اذا أردنا أزهارا نظرة وثمارا طازجة فعلينا أن نتعهد البذور بالرعاية والأهتمام وفق منهج الحق سبحانه، وإلا أضحت فطريات تعتاش على ما سواها من الأحياء.

مصباح صغير (2)

جاء في الحديث الشريف” دع ابنك يلعب سبع سنين، ويتعلم الكتاب سبع سنين، ويتعلم الحلال والحرام سبع سنين “(١).

وفي حديث آخر: ” أتركه سبعاً، وأدبه سبعاً، ورافقه سبعا”(٢).

هل تساءلت يوما لماذا يحثنا الشارع المقدس على المبادرة الى تأديب اولادنا عند سن السابعة ؟
لماذا هذا العمر بالذات ؟
وما هو رأي علم نفس الاطفال بهذا الشأن؟
دعونا اولا نتعرف الى ما يفعله الطفل في السنوات السبع الاولى من عمره.
السيدة منتسوري وهي طبيبة أطفال واخصائية علم نفس تقول : “الطفل يشبه الأسفنج الذي يمتص كل مايدور حوله من خبرات منذ الولادة ثم يعود ليسترجعها بعد ست سنوات”(٣)، ويقول بياجيه، وهو رائد نظرية النمو المعرفي عند الاطفال: “إن التطور المعرفي هو إعادة تنظيم تصاعدي للعمليات العقلية الناتجة عن النضج الحيوي والخبرات البيئية. هو يعتقد أن الأطفال يؤسسون فهماً وإدراكاً حول العالم المحيط بهم كما يؤسسون خبراتٍ متباينةً بين ما يعرفونه أصلاً وما يكتشفونه في بيئتهم، ثم يعدّلون افكارهم وفقا لذلك”(٤) لذا ينصح علماء النفس والاجتماع بتزويد الطفل، خلال هذه الفترة، بمقدار كبير من الخبرات والتجارب والمعلومات، ويتم ذلك عبر رواية القصص التي تتحدث عن الطبيعة والحيوانات والفصول الاربعة والشمس والقمر والحواس الخمسة واهمية النظافة والصدق والكذب…. الخ ، والأجابة عن جميع اسئلته بأسلوب سلس ومفهوم، والانصات الى كل مايريد قوله بأهتمام لاشعاره بأهميته وتعزيز ثقته بنفسه، وتشجيعه على اللعب مع اقرانه…..بمرور الوقت سيكون الطفل اشبه مايكون بصندوق مليء بالاغراض المفيدة والضارة وهنا يأتي دور الوالدين وتحديدا عند سن السابعة للبدأ بفرز اغراض الصندوق.

يقول بياجيه عن هذه المرحلة :”مرحلة العمليات العقلية الحقيقة المعتمدة على المحسوسات تبدأ من سبع سنين الى البلوغ فيحتاج الى مساندة حسية تعينه على الفهم”
مرة بعد أخرى ينسجم العلم الحديث مع شريعة سيد المرسلين اىمعلم الاول رسول الله محمد (صلى الله عليه واله) اذ قال:(لاعبه سبعا وأدبه سبعا….. ) مما يؤكد على ان الرسالة الاسلامية ذات ابعاد تربوية بمرتكزات نفسية وعقلية.
فبعد انقضاء سنوات اللعب، التي يحبذ علماء النفس أن يقضي الطفل معض

مها قريبا من الوالدين على اعتبار ما سيحضى به الطفل من رعاية وتوجيه في آن واحد، تبدأ سنوات التأديب والتعليم، لماذا؟

اذا أمعنا النظر في عبارة بياجيه نجده يقول” العمليات العقلية الحقيقية المحسوسة تبدأ عند سن السابعة”
اذا هنالك تحولات جدية ونضج حيوي في العمليات العقلية خلال هذه المرحلة العمرية لذلك يكون العلم المكتسب مقيد بشرطين:حقيقي ومحسوس، وليس مجرد العاب وتخيلات طفولية، ويحتاج الى من يعينه على فهمها؛ طبعا في المقام الاول يكون للوالدين دور ريادي في هذه المرحلة المهمة من حياة الطفل ومن ثم يأتي دور المدرسة المتفرعة عن المجتمع الواسع الذي يحتك به الاطفال نسبيا.
من المفترض أن يبدا الوالدان في هذا السن، اقصد سن السابعة، بملاحظة الجوانب التالية في حياة اطفالهم:
١-الجانب العلمي، ويشمل عرفيا الدخول الى المدرسة، واسلاميا تعلم الكتاب كما ورد في الحديث الشريف آنف الذكر، والمقصود هو القرآن الكريم.
٢-الجانب البدني اي تشجيع الطفل على ممارسة الرياضة، إن لم يكن مداوم عليها سابقا ، لأثرها الطيب على الصحة البدنية والنفسية والعقلية، فلا غرابة أن يوصي رسول الله صلى الله عليه واله أن “علموا اولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل”
٣-الجانب الاخلاقي والأجتماعي، أي مراقبة سلوكه والفاظه وأفكاره والتعامل معه بحزم أكبر من اجل تقويمه تدريجيا.
وفيما يلي بعض النصائح الخاصة بالجوانب الثلاث:
أ/تعزيز المكتسبات العلمية الصحيحة التي حصل عليها الطفل في السنوات الماضية من خلال تشجيعه على الالتحاق بالمدرسة.
ب/تصحيح الافكار والمعلومات الخاطئة باسلوب واضح وسهل .
ج/ان يتقبل الوالدين اطفالهم كما هم ولا يطلبوا منهم ما يفوق قدراتهم ، فلكل طفل مميزاته الخاصة، فأعتزوا بمميزات اطفالكم.

د/لا تسألوا اطفالكم عن درجتهم في الامتحان بل اسألوهم عن المعلومات الجديدة التي تعلموها في المدرسة .
ها/لا تطلبوا منهم الحصول على الدرجات النهائية، لان ذلك الامر سيجعلهم متوترين بسبب خوفهم من فقدان حب الوالدين ودعمهم اذا لم يحصلوا على الدرجة النهائية، لكن اطلبوا منهم ان يبذلوا قصارى جهدهم وعندها سينالون رضاكم.
و/شجعوهم على صنع صداقات جديدة، وكونوا مستمعين صبورين لرواياتهم عن يومهم المدرسي،
ي/شجعوهم على أن يكونوا مستقلين وكونوا داعمين لخياراتهم لتعزيز ثقتهم بأنفسهم .
ح/كونوا اكثر حزما فيما يخص العادات اليومية مثل تنظيم مواعيد النوم والاكل والدراسة واللعب ومشاهدة التلفاز ، لانه لم يعد طفلا يفعل كل مايريد متى ما شاء ذلك. كرروا عبارة (عليكم بنظم امركم )
ليرتكز في ذهنه مفهوم النظام والتنظيم ببعده الاسلامي، خاصة اذا كان الوالدين مثالا يحتذى به.

خ/من واجب الوالدين ان يلبوا احتياجات الطفل الضرورية وليس رغباته، لذا يمكن توضيف الرغبات من قبيل تناول الحلوى ومشاهدة التلفاز او العاب الحاسوب او اللعب مع اصدقائه، ضمن مبدأ الثواب والعقاب.
وأخيرا وليس آخرا نقول إن اطفالكم اذكى بكثير مما تتصورون فلا تستهينوا بذكائهم وأدبوهم على مبدأ الأرتباط بالله جل وعلا في كل حركاتهم وسكناتهم،
حافظوا على اتقاد شعلة النور في مصباح فطرتهم الصغير فذلك القبس هو بوصلة النجاة التي يستعين بها المتقون لتوصلهم الى بر الامان في الدنيا والاخرة .
( وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) ال عمران (133)

(١)مكارم الاخلاق للطبرسي، ص٣٣٣
(٢)مستدرك الشيعة، باب احكام الاولا، ٨٣
(٣)Montessori method
(٤)نظرية بياجيه في التطور المعرفي.

بقلم :: أم حوراء النداف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات