بطل الوفاء

 

تتلعثم الحروف ،وتتأرجح السطور ،ويجف المداد عندما يكون الحديث عن هذا العملاق …
ليس اسطورة من الاساطير او بطل من ابطال الملاحم الخيالية بل هو حقيقة وواقع ،عملاق من عمالقة الزمان …

.. لقد تطرق العديد من الكتاب والمؤلفين الى سيرة ابي الفضل العباس عليه السلام واكثر ما تطرقوا له هو حرب الطف ودوره البارز فيها..وبما ان ابا الفضل هو ابن امير المؤمنين عليه السلام وامه فاطمة الكلابية (ام البنين)التي تنحدر من آباء شجعان كرام ،وحيث إن صفات الابوين تنتقل الى الطفل وترتكز فيه منذ تكونه في صلب ابيه الى انتقاله الى بطن امه ،وبعد الولادة والنمو تظهر الصفات تدريجيا ،وعلى ضوء هذا القانون (اي قانون الوراثة)يكون ابو الفضل قد ورث من ابويه جميع الفضائل والخصال الحميدة..
وقد عجزت الاقلام عن الكتابة حول شخصية امير المؤمنين عليه السلام ؛لانه اعجوبة من عجائب الزمان وهو عطاء ممتد على مدى الدهور..
وهذا الشبل من ذاك الاسد.…حيث ان ابا الفضل هو ابن امير المؤمنين جامعة الفضائل ،فمهما كتبنا وتحدثنا عن صفاته ومعالم شخصيته فلا نستطيع ان نصل الى حقيقة هذه الشخصية الفذه والمعطاءة ،
الاان ما لايدرك كله لا يترك جله..

لقد عرف ابو الفضل بصفاته الخلقية والخلقية (النفسيةوالبدنية)..التي اجتمعت في هذا البطل الضرغام.فقد عرف بكرمه وسخاءه وفقاهته ووفرة علمه وتذكر الروايات بأنه لم يخاطب اخاه الحسين عليه السلام ب(أخي)،وهذا مايدل على علمه بأن مرتبة الامامة فوق كل مرتبة لذلك خاطبه خطاب المملوك لمولاه (بسيدي)

اما صفاته البدنية فقد اتسم عليه السلام بطول القامة وطول العنق وطول الساعد والجسامة وهي من صفات البطولة عند العرب كما تذكر الروايات،(كان جسيما وسيما يركب الفرس المطهم ورجلاه تخطان الارض)”1.

حلق هذا البطل العظيم الذي حير التاريخ بوفاءه وصموده وارادته الصلبه،حلق كنسر مد جناحيه ليجعلها خيمة تحمي بنات الرسالة.
كان وحده جيشا تجسدت فيه الشهامة والنبل والوفاء والمواساة..و من اروع صور مواساته لاخيه الحسين عليه السلام يوم الطف يوم استولى على الماء فتناول غرفة ليشرب ،ورغم شدة عطشه وحرارة قلبه الزاكي الا انه تذكر في تلك اللحظات العصيبة عطش اخيه الحسين والعيال؛ولسمو نفسه ووفاء ذاته ،رمى الماء من يده.

نعم لقد مثل ابو الفضل الاخوة بكل معانيها..الا ان هؤلاء الطغاة الذين قست قلوبهم كسروا جناحي هذا النسرالعظيم ..فأنكسر ظهر الحسين بكسرها (الان انكسر ظهري وقلة حيلتي )“٢..
رجع الحسين عليه السلام الى الخيام وهو حيران ماذا يقول لأخته زينب وماذا يقول للعيال الذين ينتظرون ذلك البطل وهو يحمل قربة الماء لهم.. ؟
لما رأت زينب عليها السلام اخاها الحسين على هذه الحال،علمت ان تلك الجناحان التي كانت تحميهم وتظلهم قد قطعت،وان ذلك النسر العظيم قد وقع صريعا وهو يقدم ويجود بنفسه فداء لأخيه ودفاعا عن الدين والعقيدة..
فكأن زينب انهد ركنها فجلست على الارض وهي تقول واعباساه وضيعتنا من بعدك.
.نعم لقد استشهد ابو الفضل العباس عليه السلام من اجل الدين ومن اجل ان تبقى كلمة لااله الا الله هي العليا وكلمة الظالمين هي السفلى
وبعدما كان ذلك النسر محلقا في سماء الدنيا راح محلقا في سماء الملائكةبجناحين ملكوتيين..فوضعه الباري عزوجل منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة…فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا..
………………………
1-مقاتل الطالبيين:56
2-كلمات الامام الحسين ج١ص٤٦٨

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات