♦️المبلغ الرسالي ولغة العصر

سألتُ نفسي مراراً .
مَن هو المبلّغ؟
وهل هناكَ لغةٌ معيّنة يتعامل بها المبلّغ أو عليه أن يسير وفق سنّة الأولين ؟؟

تلك أسئلة جعلتني أغوص في أعماق ذلك البحر المتلاطم الأمواج، لأجد أنّ العمل الرسالي الهادف إلى نشر الإسلام – عقيدة وشريعة ومكارم للأخلاق – ليس حكراً على فئة معيّنة، أو أشخاص محدّدين كطلّاب العلوم الدينية مثلاً، بل هو مسؤولية عامة، يمكن أن يضطلع بها كلّ أفراد المجتمع الإسلامي، شيباً وشباباً ذكوراً وإناثاً ؛ لإنّه مشروع الصالحين.
ولابد من وجود داعٍ يدعو إلى دين الله تعالى.

نعم، ثمّة ضوابط وشرائط لا بدّ منها في ذلك المبلّغ، لا ليكتسب هذا العمل مشروعيّة فحسب، بل ليصل إلى غاياته المنشودة، وأهمّ تلك الشرائط بعد امتلاك المتصدّي الذخيرة العلميّة والدينية اللازمة، حتى يكون متمكناً من إداء دوره الريادي، هو أن يمتلك الأسلوب الناجع، فلا يكفي أن يكون المتصدي على حق، وأن يكون على طريق الصواب والهدى، ليتّبعه الناس، بل لابدّ أن يأخذ بالأسلوب الأمثل، حتى يصل فكره إلى الآخرين، ويقنعهم بمنطقية نهجه، وهذا يعني أن يتصف الأسلوب بجاذبية خاصة، تجعل الناس تفتح قلوبها وعقولها أمام فكره، وتستمع الى خطابه، وهذه الجاذبية لا تقلّ أهمية عن جاذبية المضمون، فالإنسان سينجح حتماً في عمله بأسلوبهِ المميّز.
إنّ مسألة الأساليب هي مسألة متحرّكة ومتغيّرة، فلكلّ زمانٍ أدواته وأساليبه، ولكلّ جيلٍ خطابه ولغته، ولابد من مخاطبتهم بما يفهمونه من معاني وكلمات، مراعياً بذلك ما تقتضيه المرحلة، فقد روي عن الإمام السجاد (عليه السلام):
“وأمَّا حقُّ المستنصح، فإنَّ حقِّه أن…تُكلمه من الكلام بما يطيقه عقله، فإنَّ لكل عقل طبقة من الكلام يعرفه ويجتنبه، وليكن مذهبك الرحمة، ولا قوة إلا بالله”
(تحف العقول لابن شعبة الحرّاني)

وهنا يتبيّن ضرورة أن يكونَ التبليغ بلغةِ العصر، حتى نحاكي عقول الناس عِبر الأجهزة والطرق الحديثة، وأن نوظّف الأساليب كالشِّعر، والقصة، والرواية والتمثيل، بما يخدم التبليغ، فقد كان الشِّعر من أهم الأساليب البلاغية المؤثرة، التي تمّ من خلالها نشر الأفكار و تنوير الجماهير وتحريكها، وإثارة عواطفها، فإنّ عملاً فنياً تمثيلياً واحداً فيه المواصفات الفنيّة العالية، او رواية صغيرة، لا تتجاوز الوريقات لكنّها تجسّد قضية إسلامية بشكلٍ رائع، أو تشير الى قصّة نبي من الأنبياء(عليهم السلام) تؤثّر في الناس أكثر من عشرات المحاضرات، والكتابات المطولة، التي قد لا تكون مؤثرة، واليوم توجد أساليب اخرى، قد تكون أكثر تأثيراً وفاعليةً ممّا ذكرنا، فهذه وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة (كالفيس بوك ، الواتس آب، الآنستغرام، التويتر وغيرها ) .
فهي توفر لنا أفضل منصّة، لنشر قيمنا وعقائدنا،
فلماذا لا نتخذها منابراً للتبليغ ؟
وأعتقد إنّ المسؤولية بالدرجة الأساس تقع على عاتقنا، في الافادة من هذه الوسائل لنشر ديننا وتعاليمنا، فلنعمل بها، ولنثقّف المجتمع على الإستعمال الصحيح لها، بما يخدم الإنسان ويرتقي به نحو السمو، فنكون بذلك نضع بدائل للإستعمالات التي يقوم بها البعض، والتي قادت الكثير منهم تدريجياً نحو الإستعمال المحرّم، فنكون بذلك مُذكّرين لهم، فقد شبّه احد العلماء المؤمن الرسالي؛ بالمؤذّن الذي يوقظ الناس لصلاة الفجر، فإن هو نام ولم يتسنَّ له رفع الآذان فقد نام الجميع عن هذه الصلاة، وإن استيقظ وأذّن أيقظ الناس للصلاة ليصلّوا.
ولا ننسى إنّ أهم ركائز الدعوة لله، هي معرفة لغة العصر، وما يناسب كلَّ زمانٍ ومكانٍ، فإنّ الهدف من الدعوة هي الهداية، وهذا يستلزم أن يكون الرسالي ملمّاً بكافةِ الطرق والأساليب التي تناسب العصر، الذي شاء الله أن يكون مبلغاً فيه، فتلك الأسئلة التي غصتُ فيها، جعلتني أعيد التفكير بحقيقة المبلّغ ولغته، فلنعد النظر من جديد وبما يناسب عصرنا، ففي ذلك صلاحنا وصلاح المجتمع .

بقلم: منى السعيدي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات