الامام علي رائد العدل والانسانية

  الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على أشرف الخلق أجمعين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين،
الإمام علي هو أبو الحسن الهاشمي علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم
     لم تعرف الدنيا رجلاً جمع الفضائل ومكارم الأخلاق – بعد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم غيره عليه السلام، فقد سبق الأولين، وأعجز الآخرين، ففضائله أكثر من أن تحصى، ومناقبه أبعد من أن تتناهى، ولقد كانت أخلاقه قبساً من نور خلق النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الذي تربى في حجره وعاش على مائدة مكارم أخلاقه،
     هو أول من لبَّى دعوته واعتنق دينه، وصلّى معه، وهو أفضل هذه الأمة مناقب بعده
    الحديث عن الامام علي عليه السلام طويل، لا تسعه الكتب، ولا تحصيه الأرقام ولكن ما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه، وحسبنا أن نشير هنا إلى بعض خصائصه وأخلاقه، لكي تكون مناراً ينير لنا درب القرب إلى الله تعالى والمعراج إليه، ونحيا حياة علي بن أبي طالب عليه السلام ونموت مماته.
     إنَّ خير ماوصف به أمير المؤمنين عليه السلام هو قول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: «من أراد أن ينظر إلى آدم في جلالته وإلى شيت في حكمته وإلى إدريس في نباهته ومهابته وإلى نوح في شكره لربه وعبادته وإلى إبراهيم في وفائه وخلته وإلى موسى في بغض كل عدو لله ومنابذته وإلى عيسى في حب كل مؤمن ومعاشرته فلينظر إلى علي بن أبي طالب».
 وقال صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام:«… لَوْلَا أَنْ تَقُولَ فِيكَ طَوَائِفُ مِنْ أُمَّتِي مَا قَالَتِ النَّصَارَى فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ لَقُلْتُ فِيكَ قَوْلاً لَا تَمُرُّ بِمَلأٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا أَخَذُوا التُّرَابَ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْكَ يَلْتَمِسُونَ بِذَلِكَ الْبَرَكَةَ…»
ان الصفة البارزة التي تميّز بها الإمام عليه السلام أنّه كان من أعظم المسلمين إيماناً بالله تعالى، ومن أكثرهم معرفة به، وهو القائل: «لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا… ».
     وهذا هو منتهى الإيمان، فقد كانت عبادته لله تعالى عبادة المنيبين والعارفين الأحرار لا عبادة التجار ولا عبادة العبيد، فقد وهب حياته لله تعالى، وجاهد في سبيله كأعظم ما يكون الجهاد، وكانت جميع أعماله خالصة لوجه الله تعالى لا يشوبها أيّة شائبة من أغراض الدنيا ومتعها التي يؤول أمرها إلى التراب، 
 ومن صفاته عليه السلام شجاعته النادرة التي صارت مضرب الأمثال وأنشودة الأبطال في كلّ زمان ومكان، فهو بطل الإسلام دون منازع، لا يعرف المسلمون سيفاً كسيف عليّ عليه السلام في إطاحته لرؤوس المشركين وأعلام الملحدين، ولولا جهاده وقوّة بأسه وصلابة موقفه لما قام الإسلام ولقضت عليه قريش في أوّل بزوغ نوره، وقد شاعت في جميع الأوساط شجاعته، حيث قال فيه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم«إنّ أفرس النّاس عليّ بن أبي طالب عليه السلام». اف٩
اما زهده  فقد زهد الإمام عليه السلام في الدنيا في جميع فترات حياته خصوصاً لمّا تولّى السلطة العامّة للمسلمين، فقد تجرّد تجرّداً تامّاً من جميع رغباتها وعاش عيشة البؤساء والفقراء، فلم يبنِ له داراً، ولم يلبس من أطايب الثياب وإنّما كان يلبس لباس الفقراء، ويأكل أكلهم، مواساةً لهم وهكذا انصرف عن الدنيا، وملاذها ومنافعها، فعن الإمام محمد الباقر عليه السلام أنه قال: «ولقد ولي علي عليه السلام خمس سنين وما وضع آجرة على آجرة، ولا لبنة على لبنة، ولا أقطع قطيعاً، ولا أورث بيضاء، ولا حمراء».
     إنّ من أوّليات المبادئ التي آمن بها واعتنقها هي القضاء على البؤس والحرمان، وتوزيع خيرات الله تعالى على عباده، فلا يختصّ بها فريق دون فريق، ولا قوم دون آخرين، وكانت مواساته للفقراء ومساواتهم للأغنياء من الأسباب الهامّة في بغض البعض له، واندفاعهم إلى مناجزته، ووضعهم العراقيل والسدود أمام مخطّطاته الهادفة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية في الأرض.  لقد كان أبو الحسن عليه السلام ملاذاً للفقراء وصديقاً حميماً للبؤساء، وقد تبنّى قضاياهم في جميع مراحل حياته خصوصاً في أيام خلافته.   
  لقد كان  قلب أمير المؤمنين عليه السلام وفكره متعلقاً بالله تعالى في جميع فترات حياته، وسعى لكلّ ما يقرّبه إليه زلفى، وممّا قاله ضرار لمعاوية في وصفه للإمام: ولو رأيته في محرابه، وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه وهو قابض على لحيته يتململ تململ السليم (السليم: من لدغته الحيّة) ويبكي بكاء الحزين، وهو يقول: «يا دنيا، إليّ تعرّضت أم إليّ تشوّقت؟ هيهات هيهات، لا حاجة لي فيك، أبنتك ثلاثاً (أي طلّقتك طلاقاً بائناً) لا رجعة لي عليك»، ثمّ يقول: «آه آه لبعد السّفر، وقلّة الزّاد، وخشونة الطّريق», وتأثّر معاوية وقال: حسبك يا ضرار، كذلك والله كان عليّ.

أن ما قيل وما كتب وما سيقال ويكتب عن علي عليه السلام ليس إلا بمقدار جناح بعوضة أمام ذروة ربانية شامخة تجتمع فيه خلاصة المقامات الإلهية التي يعطيها الله لخاصة أوليائه. فعظمة علي عليه السلام لا يعرفها أهل الأرض ولا أهل السماء, وقد ورد وصفه في الرواية: «كبير في الأرض جليل في السماء عظيم عند الله سبحانه وتعالى». إنَّ عظمة علي عليه السلام يعرفها فقط المليك المقتدر.
  أجل والله يا رائد العدل والإنسانية لقد أهنت الدنيا، واحتقرت جميع مباهجها وزينتها، فقد أتتك الدنيا وتقلّدت أسمى مركز فيها، فلم تحفل بها، فسلام الله عليك يا إمام المتّقين.وياسيد الوصيين يوم ولدت ويوم استشهد ويوم تبعث حيا  

بقلم : منى السعيدي
مجمع المبلغات الرساليات فرع البصرة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات