لا إكراه في الدين… فكيف نُبرر الفتح بالسيف؟

بقلم :: نهاد الزركاني

في كل مرة يُطرح موضوع الفتوحات الإسلامية في مجالس متنوعة، تنقسم الآراء بين مُقدّس يرفض المساءلة، ومُهاجم يختزل الدين في الغزو والسيف. لكن وسط هذا التنازع، يبقى سؤال واحد مُعلّقًا على جدار الضمير:
إذا كان القرآن قد قرر “لا إكراه في الدين”، فكيف نُبرر تاريخًا طويلًا من الفتح بالسيف؟

لكن السؤال الأهم الذي ينبغي أن يطرحه الجميع اليوم هو: إذا كنا نرفض الاحتلال باسم مبدأ إنساني، لأن الله خلقنا أحرارًا، فهل يمكننا أن نبرر تاريخًا من الغزو باسم الدين؟

نحن اليوم، في القرن الحادي والعشرين، نستنكر الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان، وندين التدخلات الغربية في شؤون الشعوب، ونرفع شعارات السيادة والحرية. لكن لماذا نغضّ الطرف حين نعود إلى الماضي، ونتعامل مع الفتوحات كأنها جزء من الرسالة الإلهية؟ أليس هذا نوعًا من ازدواجية المعايير؟

الحقيقة أن الإسلام في نصوصه الأصلية لم يكن مشروعًا توسعيًا. بل جاء بمنظومة قيم تقوم على الدعوة بالحكمة، والحرية في الإيمان، ومواجهة الظلم لا استبداله. لكن بعد وفاة النبي، سرعان ما تحوّلت الرسالة إلى دولة، وتحوّلت الدولة إلى سلطنة، وتحولت السلطنة إلى مشروع توسّع إمبراطوري، لا يختلف كثيرًا في أدواته عن مشاريع الغزو الأخرى عبر التاريخ.

هل انتشر الإسلام بالسيف؟ في بعض المناطق، نعم. لكنه في مناطق أخرى — كإندونيسيا وشرق أفريقيا — دخل عبر التجار، وعبر العدالة في المعاملة. هذا يعني أن الإسلام لا يحتاج إلى سيف كي يُنتشر، بل يحتاج إلى وعي وعدالة وصدق في التمثّل.

إن الفتوحات التي تمّت باسم الدين كانت، في حقيقتها، تحركات سياسية واقتصادية وعسكرية، رافقتها غنائم ونساء وأراضٍ وسلطة. والسؤال هنا: هل هذه غايات تتماشى مع “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”؟

نحن لا نكتب هذا لنجلد الذات، بل لنحرّرها. التحرير يبدأ حين نكفّ عن اختلاق مبررات لكل فعل تاريخي، وحين نُخضع هذا التاريخ لميزان القيم لا لمزاج الفخر.

الإسلام ليس مسؤولًا عن أخطاء السلاطين. والوعي الحقيقي لا يتحقق إلا حين نملك شجاعة قول: ما كان فتحًا لله، لا يكون إكراهًا على الناس.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: كيف يمكننا اليوم أن نعيد فهم تاريخنا بعين نقدية تعيد التوازن بين مبادئ الحرية والعدالة، وتفتح باب الحوار حول حقيقة ما نعتبره “فتحًا”؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات