سلامٌ على الصابرِ الشهيد: محاسبةُ النفس

إنَّ المُتأمِّلَ في حياةِ الإمامِ الصابرِ الشهيدِ أبي الجواد (سلام الله عليه) يجدُ اهتمامًا ملحوظًا من الإمامِ بعقلِ الإنسانِ وروحه، وكان قدوةً للمؤمنين؛ فكلما صبَّ مَنْ حولَه عليه حميمَ الغضبِ والحقدِ أذهلَهم بالصبرِ وكظمِ الغيظ والحلم..
وكانَ يفيضُ على أتباعه ومُحِبّيه بالتربيةِ الروحيةِ ويُعلِّمُهم ضرورةَ تزكيةِ النفسِ تارةً بالقول وأخرى بالفعل؛ فقد رويَ عنه (عليه السلام): {ليس مِنّا مَنْ لم يُحاسِبْ نفسَه في كُلِّ يومٍ فإنْ عملَ حسنًا استزادَ اللهَ، وإنْ عملَ سيئًا استغفرَ اللهَ منه وتابَ إليه}
فينبغي لنا أنْ نُحاسِبَ أنفسَنا في كُلِّ ليلةٍ بأنْ نختلي بأنفسِنا مع خالقِنا ونستعيدَ ما صدرَ منّا خلالَ اليوم؛ فما كانَ من حسنةٍ استزدنا الله (تعالى) منها وسألناه القبول ومُضاعفةَ الأجرِ، وما كانَ من سيئةٍ استغفرناه منها وعاهدناه (تبارك وتعالى) على عدمِ العودِ، وإذا تعلّقَ الأمرُ بمظالمِ العبادِ استعنّاه على ردِّ الظلامات إلى أهلها، وما كانَ من تقصيرٍ في عملٍ صالحٍ سألناه المعونةَ والتوفيقَ والتسديدَ، مثلما جاءَ في النبي (صلى الله عليه وآله) لأبي ذرّ (رضوان الله عليه) أنّه قال: {يا أبا ذرّ حاسِبْ نفسَك قبلَ أنْ تُحاسَبَ؛ فإنّه أهونُ لحسابِك غدًا، وزِنْ نفسَك قبلَ أنْ توزنَ، وتجهّزْ للعرضِ الأكبر يومَ لا تخفى على اللهِ خافية}
وحادثةُ بشرٍ الحافي وتأثُّره بإشراقةِ نورِ راهبِ أهلِ البيت (عليهم السلام) شاهدةٌ ناطقةٌ، (فعلى يده (عليه ‌السلام) تابَ بشرُ الحافي؛ لأنّه اجتاز على داره ببغداد، فسمعَ الملاهي وأصوات الغناءِ والقصب تخرجُ من تلك الدار، فخرجتْ جاريةٌ وبيدِها قُمامةُ البقلِ فرمَتْ بها في الدرب، فقالَ لها: «يا جارية، صاحبُ هذه الدار حرّ أم عبد؟، فقالت: بل حر. فقال: صدقتِ، لو كانَ عبدًا خافَ من مولاه. فلمّا دخلتْ قالَ مولاها وهو على مائدةِ السكر: ما أبطأكِ علينا؟ فقالت: حدّثني رجلٌ بكذا وكذا، فخرجَ حافيًا حتى لقيَ مولانا الكاظم (عليه ‌السلام) فتابَ على يده)(1)
فسلامُ اللهِ (تعالى) عليه يومَ ولِدَ ويومَ استُشهِدَ سلامًا دائمًا سرمدًا، وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الطيبين ورحمة الله وبركاته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) سيرة وتاريخ، علي موسى الكعبي، ج1، ص85

#يا_فرج_الله_العجل
#يا_موسى_بن_جعفر

 

بقلم : أُمّ مُصطفى الكعبي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات