السيدة زينب (ع) أنموذج للمبلغ الديني

 

ان التبليغ الديني هو من اشرف المهام البشرية وأفضلها وأجملها وهو الوسيلة التي تمكن الإنسان من نيل كمالاته الروحية والجسمية والنفسية ، فقد روى الكليني في الكافي عن فضيل بن يسار قلت لأبي جعفر عليه السلام : قول الله عز وجل في كتابه ( ومن احياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) قال عليه السلام: من حرق أو غرق ، قلت : فمن أخرجها من ضلال إلى هدى ؟ قال : ذاك تأويلها الأعظم)
ولا يخفى فضل وجود المبلغ والداعية للدين فقد وصف القرآن الكريم كلام المبلغ بأنه أحسن الكلام فقال تعالى ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) فصلت /٣٣ ، ووصفه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بأنه خليفة الله ورسوله فقال صلى الله عليه واله وسلم( من آمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسول الله وخليفة كتابه) كنز العمال .
وهذا الفضل والمكانة تشمل كلا الجنسين سواء كان مبلغا أو مبلغة ،
فلقد كانت المرأة وما زالت إلى جانب الرجل تدافع عن الحقّ، وتقف ضدّ الظلم؛ لأنّ الله تعالى عندما أمر عباده بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يخصّص خطابه بالرجال دون النساء، بل أوكل هذه المهمّة إليهما معا ؛ لما لها من خطورة على الفرد والمجتمع.
ولا بدّ أن تستغلّ المرأة الواعية هذه الوسيلة لخدمة دينها والدفاع عنه، وعن أخواتها المسلمات، أُسوة بالسيّدة زينب(عليها السلام)، فقد جعلت من تبليغها الكربلائي تاريخاً لم تخمده السيوف، فظلّت كلماتها ومواقفها تحاكي الضمير، وتدعو إلى الحقّ، واستطاعت بذلك أن تُقيم صروح النهضة الفكرية، وتنشر الوعي السياسي والديني، في وقت تلبّدت فيه أفكار الجماهير وتخدّرت، وخفي عليها الواقع؛ من جرّاء ما تنشره وسائل الحكم الأُموي، فأفشلت مخططاتهم، وأبطلت إعلامهم الزائف بالتبليغ الهادف ، فكانت هي المختارة من قبل الإمام الحسين عليه السلام لأداء مهمة التبليغ بل ومهمة الدفاع عن امام عصرها الإمام السجاد عليه السلام .

وما كان للسيدة زينب عليها السلام ان تصل الى هذا المقام وتنال هذه المرتبة السامية بدون اجتهاد وعلم وعمل فقد اجتهدت الحوراء زينب لتنمية ذاتها روحيا وعقليا ونفسيا
وذلك من خلال :

١• الاجتهاد في تحصيل العلوم الدينية
دأبت على نيل العلوم الإسلامية من جدها وأبيها وأمها وأخويها الحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين، فكانت حركتها الرسالية نابعة من العلم بالرسالة الإسلامية وعميق الإيمان

٢- امتلاكها العلوم النفسية لمعرفة الجمهور الذي تخاطبه وحاجاته واهتماماته وآماله ومستوى وعيه وإيمانه بالقضية المطروحه.

٣- الإيمان الراسخ بقضيتها وموضوع تبليغها .

٤- امتلاكها البلاغة وتوظيف الألفاظ لخدمة إيصال الهدف من الرسالة.

٥- معرفتها بلغة الجسد والحال المتناسقة مع الأفكار والأهداف.

٦- معرفتها الشاملة والكاملة بالقرآن الكريم حفظا وتفسيرا وفهما كي تستعين به في تقديم الأدلة والشواهد.

٧- امتلاكها مهارات الإقناع.

٨- معرفتها بطرق إلهام الجمهور المتلقي بواجباته تجاه ما يلقى عليه من حقائق.

وقد وظفت عليها السلام امكانياتها العلمية وكل ما تتمتع به من قدرات نفسية وروحية وذهنية لأداء مهمة التبليغ في كربلاء
فلو تأملنا كلمات السيّدة زينب(عليها السلام) لوجدناها جمعت بين فنون البلاغة، وأساليب الفصاحة، وبراعة البيان، وبين معاني الحماسة، وقوة الاحتجاج، وحجّة المعارضة، والدفاع عن الحرية والحقّ والعقيدة، جمعت ذلك كلّه بصراحة هي أنفذ من السيوف في أعماق القلوب،
وقد ركزت (سلام الله عليها ) على أولويات خاصّة، فقد استخدمت الأساليب العاطفية في الكوفة تبعاً للظرف السياسي والاجتماعي السائد في تلك المنطقة.. بينما اختلف أُسلوبها التبليغي في الشام، حيث انتقلت بأُسلوبها من الدور العاطفي إلى الدور التوعوي والتعريفي؛ لأجل إماطة اللثام عن الغشاوة التي ترسّخت في عقول أهل الشام تجاه الحسين(عليه السلام)،
وقد أنتجت هذه الجهود نتائجها، وآتت أُكلها ، وسيبقى هذا الأدب الحي صرخة في وجوه الطغاة على مدى الدهر، وتعاقب الأجيال، وفي كلّ ذكرى لواقعة الطفّ الدامية المفجعة.
لذا علينا أن نُدرك أنّ التبليغ الديني ليس نقلاً للمعلومات الفقهية أو العقائدية أو الأخلاقية فحسب، بل هو آلية ومنهج وطريق لزيادة المعرفة الدينية العامة، وتدفّق للانبعاث الديني، والتبليغ هو السبيل لإحياء روح الدين الصحيح في المجتمع، وعلينا أن نُدرك أنّ المجتمعات التي تخلو من المبلّغ والداعية هي مجتمعات متزلزلة، ليس فيها أساس متين، ولا بناء قويم؛ لأنّها لا تحتوي على عناصر مرشدة، ولا أفراد هادية، ولا يهتمّ بعضهم بإرشاد الآخر، بل يتركه على الخطأ الذي هو عليه، حتّى لو كان هذا الخطأ فادحاً، يسبب للفرد خسارة دنيوية وأُخروية.

وعلينا إدراك ان المرأة المبلغة يمكنها أن تكون مورد عناية واهتمام امام عصرها وقد توكل إليها مهام ومسؤوليات تبليغة كبيرة قد لا توكل للرجال مثلها، وذلك إذا احسنت تنمية ذاتها واجتهدت في تحصيل العلوم والمعارف اللازمة واخلصت النية في عملها .

والحمد لله أولا واخرا
وصلى الله على المصطفى واله الطيبين الطاهرين

بقلم :: الشيخ حسن العكيلي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات