قطرات من بحار أمير المؤمنين (ع)

 

ان الحروف خجلة ،والقلم عاجز عن الكتابة في السيرة العطرة لذاك العملاق العظيم الذي عجزت الادباء وتصاغرت العظماء وعيت البلغاء عن وصف فضيله من فضائله او منقبة من مناقبه ،فماذا نكتب عنه وماذا نريد ان نقول في رجل إجتمعت فيه صفات الكمال،كيف لا وقد قال فيه رسول الله (صلى الله عليه واله):(من اراد أن ينظر الى آدم في جلالته ،والى شيث في حكمته ،والى ادريس في نباهته ومهابته ،والى نوح في شكره لربه وعبادته ،والى إبراهيم في وفائه وخلته ،والى موسى في بغض كل عدو لله ومنابذته ،والى عيسى في حب كل مؤمن ومعاشرته ،فلينظر الى علي بن ابي طالب (عليه السلام))*١
ويغرق كل من حاول الغوص في بحار علي (عليه السلام)،ولذا فأننا نتجرأ لنغوص في قطرات تلك البحار العميقة ،علّنا نكون مصداقا لقول رسول الله (صلى الله عليه واله):(من كتب فضيله من فضائل علي بن ابي طالب لم تزل الملائكة تستغفر له مابقي لتلك الكتابة رسم…).

١-قطرة من بحر علمه ومعارفه
إن أمير المؤمنين (عليه السلام)هو وارث علم رسول الله ،ومن اراد الدخول الى مدينة علم النبي فعليه الدخول من الباب ،وبابها هو علي بن ابي طالب ،لقول رسول الله(صلى الله عليه واله):(انا مدينة العلم وعلي بابها )،وهو (عليه السلام )الموسوعة الفكرية المستوعبة لكل مناحي العلم والمعرفة،فالعلم الالهي قد إقتُبس من من كلامه،وأُخذ عنه علم تفسير القرآن ،وهو الذي انشأ علم النحو والعربية ،ومنه تعلم الناس الفصاحة والخطابة،واعلم الناس بسنة رسول الله ،يقول (صلى الله عليه واله):(اعلم أمتي بالسنة والقضاء بعدي علي بن ابي طالب )*٢ وقد علمه رسول الله الف باب من العلم ينفتح من كل باب الف باب…

٢-قطرة من بحر عبادته
امير المؤمنين (عليه السلام)،ذلك القبس الذي اضاء طريق السالكين ودلهم على معارج الوصول الى ساحة القرب الالهي الامثل،فعبادة علي (عليه السلام)هي عبادة الاحرار ،وهو القائل :(الهي ماعبدتك خوفا من عقابك،ولا طمعا في ثوابك ،ولكن وجدتك اهلا للعبادة فعبدتك)،هي عبادة نابعة من علم ودراية وإخلاص مطلق ،من قلب ليس فيه سوى حب الله تعالى ،ولذا لماسئل :هل رأيت ربك؟فقال(عليه السلام):(ماكنت اعبد ربا لم اره ،ويلك لاتدركه العيون في مشاهدة الابصار ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان)*٣…وفي هدأة الليل وسدول ظلامه تراه يبكي بكاء الحزين ،فتسيل دموعه الطاهرة على خديه وهو ينادي ربه :(الهي افكر في عفوك فتهون علي خطيئتي ،ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم عليّ بليتي …آه…إن أنا قرأت في الصحف سيئة انا ناسيها وانت محصيها…)،ويروى انه كان له خمسمائة نخلة فكان يصلي عند كل نخلة ركعتين*٤.
والعجب كل العجب ممن يضع الاحاديث الكاذبة والدعايات المضللة ضده وأنه لايصلي …ولذا لما ورد خبر مقتله الى الشام،أنه ضرب على رأسه وهو يصلي في محرابه،قال اهل الشام :أوَ كان علي بن ابي طالب يصلي ؟!.وهذه احدى مظاهر مظلوميته (عليه السلام)

٣-قطرة من بحر عدله
إقترن اسم أمير المؤمنين (عليه السلام)بالعدالة ،فهو رمز العدالة الانسانية ونموذج الحاكم العادل،ويشهد لعدالته القاصي والداني والصديق والعدو.
يقول رسول الله (صلى الله عليه واله):(كفي وكف علي في العدل سواء)و(إنه اوفاكم بعهد الله تعالى ،واقومكم بأمر الله واعدلكم في الرعية وأقسمكم بالسوية…)،ومن الامثله على عدله ،يروى إنه دخل بيت المال ،فأتاه طلحة والزبير ،فيقوم الامام (عليه السلام)ويطفئ السراج الذي بين يديه ويحضر سراج آخر من بيته ،فسألاه عن ذلك ،فقال (عليه السلام)كان زيته من بيت المال ،لاينبغي ان نصاحبكم في ضوئه).
ومن كلام له في رسالة الى مالك الاشتر :(وأشعر قلبك الرحمة للرعية ،والمحبة لهم ،واللطف بهم ،ولاتكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم ،فأنهم صنفان :إما اخ لك في الدين ،او نظير لك في الخلق…)
وهذه الكلمات النورانية لابد أن تكون دستورا لكل الحكام في العالم ،في حين نجد الظلم والاستعباد من الحكام ،فاين هم من عدالة أمير المؤمنين (عليه السلام).

وهذا غيض من فيض وقطرات صغيرة من بحار سيد البلغاء ويعسوب الدين أمير المؤمنين (عليه السلام)،علّها تكون درسا لنا جميعا،ولنرطب قلوبنا وعقولنا بهذه القطرات العلوية …
…………………………
١-بحار الانوارج١٧ص٤١٩
٢-كنز العمال ج١١ص٦١٤
٣-بحار الانوارج٤٠ص٣٤٥
٤-البحار ج٤١ص١٥

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات