♦️أوّلُ أوجاعِ الزهراء برحيلِ خاتمِ الأنبياء

 

عبارةٌ وردت في كتابِ مفاتيح الجنان للشيخِ القُمّي في ذكرى شهادةِ نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله) وهو يروي قولَ أنسٍ بن مالك حين قال: “لما فرغنا من دفنِ النبي (صلى الله عليه وآله) أتتْ إليّ فاطمةُ (عليها السلام) فقالت: كيف طاوعتْكم أنفسكم على أنْ تهيلوا الترابَ على وجهِ رسولِ الله وبكت”.
وقفتُ عندَها، تأمّلتُها وأمعنتُ النظرَ فيها طويلًا لأستقيَ منها حقيقة رحيل النبي الموجعة، فلا يُعقَلُ أنّها لا تؤمنُ بقضاءِ اللهِ (تعالى) وقدره وهي سيدةُ النساء والمُتصفةُ بالعصمةِ فحاشاها من عدمِ الإيمان؛ لكنّها فقدتْ من كانتْ صفاتُه إلهيةً.
حاولتُ أنْ أستقصيَ صورةً للوجعِ الفاطمي، من تلك العبارة، وإذا بالعجز يتحدّاني، فأغلقتُ كتابَ مفاتيحِ الجنانِ مُحمّلةً بخيبةِ العجز.
ولكنَّ العبارةَ رافقتني رغمَ إغلاقي للكتاب بسببِ حفظها، وبدأ أرقُ التفكير ينتابُني، فيُخيّلُ لي صوتُها الحزين وهي تُردِّدُ تلك العبارة.
حقيقةً لا أعرفُ كيفَ أصِفُ حالَ الزهراءِ (عليها السلام) في تلك اللحظةِ، فأيُّ وجعٍ استشعرتْه مولاتي بفقدانِ أبيها وهي أم أبيها؟!
لا أُنكِرُ أنّي أستشعِرُ ألمَ رحيلِ النبي (صلوات الله عليه وآله)، وأشكو للهِ (تعالى) ألمَ فقدِه في شهرِ رمضان من خلالِ دعاء الافتتاح، وحينما أستأذنه للدخولِ لأيّ مرقدٍ من مراقدِ ذُريّته؛ ولكن يبقى وجعُ الزهراءِ (عليها السلام) مُختلفًا، خصوصًا وإنّها العالمةُ غير المُعلَّمة.
تعالوا معي لنُسلِّطَ الضوءَ على تلكَ الأوجاعِ ونتركَ الحكمَ للقارئ الحاذق، ولنبدأَ بماضٍ ليس ببعيدٍ عن الزهراء (عليها السلام)، فلقد كانت ذات مكانةٍ عندَ أبيها، حتى إنّه يقفُ لها إجلالًا، يُقبّلُ يديها، يطرقُ بابَها، وجبريلُ يزورُ بيتَها لوجودِ النبي (صلى الله عليه وآله) فيه حتى تركَ أثر زغبِه في بيتِها، إلى آخرِ الأمورِ التي لا يُمكِنُ أنْ تُجمع بسطور..
فقد ودّعت كُلَّ ذلك، ولم يبقَ سوى (أشهدُ أنّ مُحمدًا رسولُ الله)، فبعدَ أنْ كانتْ تراه أصبحتْ تسمعُ اسمَه عند الأذان، ويوماً ما أذِّنُ بلال، فوقعت مغشيًا عليها فأمر الحسنان بلالاً بالسكوتِ خوفًا على أُمِّهما الزهراء وعلي بن أبي طالب يُصبّرها.
لكِ كُلُّ الحقِّ مولاتي، فمُحمّدٌ (صلوات الله عليه وآله) أبوكِ ونبيّكِ، نعم، نتألّمُ لفقدِه لكنّه ليس كألمكِ ووجعكِ فهو عظيمٌ بعِظَمِ ما فقدته.
وأمّا المُستقبلُ الذي أنبأها به النبيُّ (صلوات الله عليه)، فسوف اختصرُه لأنّي إنْ فتحتُ الملفَ فلن أتوقفَ عن سردِ أوجاعِ الزهراء (عليها السلام) ولذا سأكتفي ببعضِ الكلماتِ علّها تُفصِحُ ولو بشيءٍ قليلٍ عن أوجاعٍ ستقطفُ زهرةَ أبيها عن قريبٍ؛ فرحيلُه كانَ إيذانًا بأوجاعٍ ستبدأ بتهديدٍ بحرقِ البيتِ الذي لامسَت بابَه يدُ النبوة، ولن تنتهيَ حتى ظهورِ القائم (عجّل الله فرجه).
فمعَ ما فقدتْه من ماضٍ جميل، وما ستُلاقيه من قادمٍ مؤلم، سقطتْ كُلُّ علاماتِ الاستفهامِ في بحرِ أوجاعِ الزهراء (عليها السلام).
سيّدتي لقد تحيّرتُ في وصفِ وجعكِ، فعُذرًا يا بنتَ خيرِ الورى بيومِ فقدِ خيرِ الورى، فعِظمُ الوجعِ كبّلَ قلمي، وباتَ عاجزًا عن الوصف؛ لأنّ وجعكِ برحيل خاتمِ الأنبياءِ (صلى الله عليه وآله) قد فاقَ كُلَّ الأوصاف.
سيّدتي ليتني كُنتُ عندَك في ذلك اليوم لأواسيكِ؛ ولكن للأسف شاءَ اللهُ (تعالى) أنْ يجعلني في زمانٍ ليس لي طريقٌ لمواساتكِ سوى بكلماتٍ أخطُّها بقلمي، حاولتُ مع تهديدِ العجزِ لي أنْ أرسمَ ملامحَ وجعكِ الذي ما زال يئنُّ مُنذُ أنْ رحلَ خاتمِ الأنبياء (صلى الله عليه وآله)، ونحنُ اليومَ ننادي: “اللهم عجّل لظهور خاتم الأوصياء لينتهي بظهوره وجع الزهراء (عليها السلام)”.
فعظّمَ اللهُ أجر الزهراء بفقدِ خاتمِ الأنبياء..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات