المنهج الحسني ضرورة معاصرة

 

في الخامس والعشرين من رمضان سنة 40 للهجرة بايع اربعون الفا من الكوفيين الامام الحسن بن علي المجتبى خليفة للمسلمين بعد شهادة أبيه الامام علي عليه السلام.
وتذكر مصادر التاريخ ان الحجاز واليمن والعراق وخرسان لم يبدوا اي اعتراض على هذه البيعة
لكن معاوية رفض وأرسل جيشا الى ثغور العراق
فأعد الامام جيشا بقيادة ابن عمه عبيد الله بن العباس لمواجهة الجيش الاموي.
معاوية المتشبث بالحكم والسلطة كان متيقن من هزيمته العسكرية ، لكنه حقق انتصارا كبيرا في ميدان المكر والحيل وشراء الذمم، فأرسل الى الامام الحسن رسائل زعماء ووجهاء الكوفة الذين ابدوا استعدادهم للتحالف مع معاوية وتسلم سبط الرسول للحاكم الاموي، مما أضطر الأمام الى قبول الصلح..لكن ..بشرطه وشروطه، ثم ترك الكوفة وعاد الى مدينة جده صلى الله عليه واله.

السؤال الذي يطرح نفسه هو: لم كل هذه الانتكاسات في صفوف القواعد الشيعية وخاصة في العراق؟!
فتكرر مشهد التحكيم مع الأمام الحسن، لكن بقالب المصالحة امر يدعو للتأمل.
لو تحرينا حياة الامام الحسن فسنجده سلام الله عليه قد شهد وقائع مهمة جعلته يدرك تماما التشكيلة المجتمعية للأمة الاسلامية على الصعيد العقائدي الإيماني، مثل الاحداث التي اعقبت وفاة جده رسول الله ومعايشته لحكم الخلفاء الثلاثة الاوائل
يذكر المؤرخون أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب جعله شاهدا على الشورى السداسية ، و كان ساقي الماء في محنة عثمان، كما انه كان بمثابة الوزير لابيه امير المؤمنين بعد تسلمه الخلافة وشاركه في حروبه.
هذا الاستشراف الواسع لمديات الاحداث تجعله خبيرا مدركا ان محنة الأمة تكمن في تحقق الفهم الحقيقي لمعنى الامامة.
فالإمامة ليست منصبا حكوميا لادارة شؤن الناس الدنيوية لفترة زمنية، بل هي ولاية الهية متفرعة عن النبوة، تتحقق بنص من الله ورسوله ليس إلا، فيثبت للإمام مايثبت للنبي من العصمة والطاعة والتسليم

(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا *الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)
(وأطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)

.ولسنا في مقام اثبات الإمامة، لكن في مقام توضيح دور المأمومين الموالين على اقل تقدير
فكم فردا ياترى فهم هذا النص واطاع مضمونه؟! التأريخ يصرح انهم لم يكونوا كثر والدليل هو ما حصل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله.
الأمر المهم الثاني هو كيفية الحفاظ على هذه القلة المؤمنة والسعي لتوسيع قاعدتهم الإيمانية الولائية.
لذا تعامل الامام الحسن مع مجريات الأمور بروح الإمامة الابوية و صبر المؤمنين المطيعين لله الماضين في إقرار حكمه وقضائه.
إن ما اكتبه بكلمات وسطور كانت في الواقع ايام محن عصيبة اوجعت قلب الإمام الحسن بلوم اللائمين وكيد المنافقين وشماتة الحاسدين، وهو الإمام السبط بنص رسول الله (الحسن والحسين إمامان قاما او قعدا)، لكنه واصل الجهد في مجابهة المشكلات والعوائق التي تواجه المبلغين عن الله سبحانه، في سبيل الإعداد ليوم الفصل، واقعة الطف الأليمة.
فلولا تلك الجهود المظنية لم يكن ليقف مع الامام سوى أهل بيته ولتحولت المعركة الى نزاع عشائري قبلي، فتميز أنصار الامام الحسين يكمن في انهم يمتلكون خصائص نوعية على الصعيد العقائدي، القومي ، والعرقي، لذلك فشلت كل الجهود الرامية الى تحجيم تلك النهضة المباركة.
كان للإمام الحسن دور الريادة في حفظ تلك النخبة من المؤمنين.
واليوم نحن نعيش الانتظار الذي عاشه الكوفيون مع الامام الحسين عليه السلام، ولكي لا نكرر أخطاء الماضي يتوجب علينا اقتفاء اثار النهج الحسني في تربية افراد من المجتمع ، النخبة، الذين يمكن التعويل عليهم لصيانة الشريعة و حفظ الدين ونصرة الامام ، مع معايشة الحكام الظالمين الذين تتكشف ، مع مرور الوقت ، وعودهم الكاذبة وعهودهم الباطلة وتشبثهم بالسلطة.
يمكن من خلا اختبار بسيط ان يقيم الفرد نفسه، فهل هو حسني المنهج من حيث تربية الذات على طاعة الله ورسوله واولي الامر ، ام كوفي الهوى ينعق مع كل ناعق!
كيف؟
انظر الى علاقتك مع نائب الامام، العلماء المجتهدون العاملون، الذين اوصى الامام بطاعتهم والتزام اوامرهم وانهم سيكونون شهودا علينا أمام الله وأمام الإمام، كما ان الامام سيكون شاهدا عليهم (واما الحوادث الواقعة بعدنا فعليكم الرجوع الى رواة احاديثنا فهم حجتي عليكم وانا حجة الله عليهم )
هل ترجع إليهم في امورك العبادية وتعاملاتك المالية ؟!
أم انك ممن يصدق عليهم قول الامام الحسين عليه السلام ( الدين لعق على السنتهم بحوطونه مادرت معايشهم، فان محصوا بالبلاء قل الديانون.)
انتظار الفرج يعني ان تكون حسني المنهج حسيني العقيدة.

قال الإمام الحسن(ع): إنّ الشّاة أعقل من أكثر النّاس، تنزجر بصياح الرّاعي عن هواها، والانسان لا ينزجر بأوامر الله وكتبه ورسله.
والسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات