بصمة سجادية

 

“الهي رضاً بقضاءك، وتسليماً لأمرك، لامعبود لي سواك”

قد يتسائل البعض عن الحكمة من اصطحاب الإمام السجاد عليه السلام الى كربلاء مع مايعانيه من المرض، فلماذا لم يبقَ في المدينة مع سائر المعذورين من الالتحاق بركب سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام، من امثال عبد الله بن جعفر ومحمد بن الحنفية !

أليست مجازفة بحياة إمام معصوم!؟

هذا مع علمنا بأن الإمام الحسين كان متيقناً من الشهادة على يد بني أمية ، وقد اخبر عن ذلك غير مرة، ومثال ذلك ما قاله في خطبته الاخيرة قبل الخروج من مكة:
” ألا ومن كان باذلاً فينا مهجته موطناً على الموت نفسه فليلتحق بركبنا … “.

وجواباً على هذا التساؤل نقول أنه وحسبما ورد في مناقب آل ابي طالب الجزء الثالث لابن شهر اشوب، بان مرض الامام كان عارضاً بمعنى أنه أصابه عند دخوله كربلاء في الثاني من المحرم ، وأنه لم يكن مريضاً حين خروجه مع أبيه من المدينة، بل كان من الملبين لنداء الحق ودعوة الجهاد المقدس ضد دولة الكفر الاموي، ففتيان بني هاشم يمتلكون روح مجاهدة معطاءة، صغيرهم وكبيرهم، فما بالكم بأنوار البيت العلوي!
وبهذا الكلام لا يبقى للسؤال أي معنى .
يبقى لنا ان نلقي الضوء على حكمة الله
فلقد اقتضت حكمة الله أن يصاب الإمام (عليه السلام) بتلك الوعكة الصحية حتى لاتخلو الأرض من حجة، إضافة الى ما سيناط له من دور بارز قد لايقل شأنا عن الإستشهاد تحت راية إمام معصوم.

كان الامام الحسين (عليه السلام ) صاحب مشروع إصلاحي إلهي هدفه تقويم الإعوجاج الذي طرأ على مسار الأمة الإسلامية بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فكما اختار الله رسوله النبي الخاتم بشيراً ونذيراً ، إختار الإمام الحسين مصباح هداية، لا يخبو ضيائه، على مدى العصور بمداد دمه الطاهر.
إنطلاقاً من هذا المبدأ عمل الإمام الحسين على توفير كافة العناصر اللازمة لإنجاح مشروعه الرسالي، وكان وجود الإمام السجاد احدى تلك العناصر الإرتكازية التي سعى أهل البيت عليهم السلام لحفظه وصيانته من ايدي الغدر والبطش الاموي،
فما هي الأدوار التي لعبها الإمام عليه السلام في القضية الحسينية؟

اولاً:رغم أن السيدة زينب عليها السلام قد تكفلت برعاية النساء والأطفال إلا إنّها وحتى اللحظات الأخيرة من حياة الامام الحسين وقبل خروجه الأخير الى المعركة، كانت تتلقى التوجيه منه ، فكان سلام الله عليه كلما لاحظ الحزن او القلق في عينيها شد ازرها بكلماته الايمانية:
“أخية تعزي بعزاء الله ، لا يذهبن بحلمك الشيطان، إعلمي أن اهل الارض يموتون واهل السماء لايبقون …..” و سواها من الكلمات التي تقوّي عزيمة السيدة زينب عليها السلام في ظروف المحنة .
وبعد إستشهاد الإمام الحسين عليه السلام ، كان لابد للإمام السجاد أن يتولى زمام الأمور وقيادة القافلة النبوية، وإن لم يكن الامر ظاهراً. وهنالك عدة شواهد تدل على ذلك، مثلا سؤال السيدة زينب بعد إستشهاد أخيها للإمام السجاد عن تكليفهم الشرعي حين بدأ الاعداء بحرق الخيام، فقال لها: عمّة فروا على وجوهكم في البيداء.
فالدور الريادي للسيدة زينب لايخلو من توجيه إمام زمانها وحجة الله على ارضه.
ثانياً: التصدي لإرادة الشر الأموي الرامية إلى حرف الحقائق وتزييف الوقائع ونسبة الخروج عن الدين لشهداء الطف، فكانت خطبة الإمام في مجلس يزيد تحديداً كفيلة بفضح جريمة آل أمية وذلك عندما عرّف اهل الشام بنفسه “انا ابن مكة ومنى، أنا ابن زمزم والصفا، انا ابن من حمل على البراق في الهوا،…..”
وكان هذا التعريف بسبب سياسة التجهيل التي مارسها بنو أمية، وهو بذلك التعريف أرجع الناس إلى حقيقة رسالة التوحيد المحمدي الأصيل ومن هم المعنيين بحملها بعد رسول الله صلى الله عليه واله، بعيداً عن أوهام الصراع على السلطة والحكم.

ثالثاً:كان الإمام السجاد عليه السلام شاهد حق على واقعة الطف، ولم يكن أحد ليجرأ على تكذيب روايته.

رابعاً: إن تواجد الإمام في ساحة مقارعة الظلم هو بمقتضى وظيفته الشرعية كإمام للأمة، فمن واجبه إلقاء الحجة عليهم وإزالة الغشاوة عن أعينهم( فمن اهتدى فانما يهتدي لنفسه ومن يضل فعليها).

طبعا لايمكننا الاحاطة بمجمل الأسباب، فمشيئة الله اقتضت ، وأهل البيت سلموا وفوضوا أمرهم للحق سبحانه، نصرة لدينه الحنيف وإعلاءاً لراية لا اله الا الله محمد رسول الله.
لربما لا زال الأذان في الجامع الأموي عندما ينطلق يرتد إليه صدى تكبير الإمام السجاد وتهليله المبارك
فالسلام عليك يا مولاي علي بن الحسين يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تُبعث حيا .

بقلم :: أم حوراء النداف

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات