أ أنتَ الحسين ؟

 

مهما كان الإنسان قويّاً وصِلباً في الشدائد لكنّه يتهاوى عند بعضها، وها هي ليلة العاشر تمرُّ علينا لتتهاوى أقلام المبدعين، فمهما كتبتْ ووصفتْ فلن تتمكن أن تعطينا تفاصيلَ دقيقة لما جرى؛ ولو تمكّنتْ لجُنَّتُ من فجاعة الواقعة.

أفقتُ القلمَ من سباته فليلة العاشر ليست ليلة سبات بل ليلة استنهاض .
سألته…
ماذا ستكتب ؟
وإذا به يكتب قول مولاتنا زينب (عليها السلام) بعد أن انجلت غُبرة المعركة، وذهبت باحثة عن جسد أخيها الحسين (عليه السلام) فوقفت عند جسده الشريف وقالت:
أأنتَ الحسين؟
فسالت دموعي وأغرقتْ الورق.
حاولتُ أن اتمالك نفسي ولا أبكي، لكن التفكير بقول مولاتي زينب (عليها السلام)، هيّج شجوني، وأثار تساؤلاتٍ كثيرة.
أيُعقل أنّها لم تعرف الحسين (عليها السلام)
وهي التي لم تفارقه طوال حياتها سوى ساعة المعركة؟
ما الذي حصل؟

وإذا بتلك الأسئلة تكشف لي الغطاء.
وكأنّي بظهيرة نهار العاشر من محرمٍ الحرام من عام ٦١ من الهجرة ، وأنا أقف بتلك الرمضاء المحرقة من شدة حرارة شمس ذلك النهار.
لأجد نفسي أمامَ امرأة مهيبة، أخجلني حجابها وحشمتها، وهي واقفةً عند جسدٍ يشع نوراً.
أعتذر إن لم اتمكن من الوصف فالمنظر مهول لا يمكن لأحد أن يتمالك دموعه بل لا يتمالك عقله.

وإذا بي أسمع تلك المرأة وهي تقول :
أ أنتَ الحسين؟
فعرفتُ إنّها مولاتي زينب وذلك النور هو نور جسد مولاي الحسين (عليه السلام).

فكل شيء بالحسين (عليه السلام) قد تغير لم يبقَ سوى نور الإمامة.
فكثرة السهام أذهلتني، حتى إنّي وجدتُ نفسي أتخيّل عدد الأعداء.
يا ألهي…..
كيف لم تنطبق السماء على الإرض ؟

أتعلمون لقد رأيت آثار حوافر الخيل التي لم تترك عظماً سليماً فيه.

وا ويلاه….
فهذا رأس مولاي رأيته منفصلاً عن جسده، وذلك الحجر اللعين قد ترك أثره في جبينه.

لم اتمالك نفسي وأنا أقف على أرضٍ حمراء، لا أدري
أهي حمراء من دماء الحسين أم إنها تبكيه دماً؟.
فهي الأخرى كحالي
مذهولة وابن بنت رسول الله فوقها عارٍ ، لا تعرف كيف تواريه فلا تملك الإذن في مواراته.

عندها أغلقت ملف التساؤلات، وعذرت مولاتي زينب(عليها السلام) لسؤالها الذي سألته واختفت.

فنظرت يميناً وشمالاً
وإذا بالخيام تستعر ناراً، والنساء والصغار يفرّون من لهيب النار، والبعض لم يتمكن فاخذتْ النار تلهب ثيابه، ورأيتُ الخيل،
نعم إنها الخيل رأيتها تهجم وقد سحقت حوافرها بعض الصغار.

لم أتمكن
فوقعت مغشياً عليّ، لأستفيق وبيدي القلم.

وقد تورمت عيني من البكاء، حتى أحسست بإلمٍ على خدي.

فكتبت في أعلى الصفحة بعد أن استبدلت الورق.

أأنتَ الحسين؟
لأسرد ما رأيته، ولا أخفيكم فمهما كتبتُ فالحقيقة ادهى وأمر.

سيدتي عذراً لجراءتي

لكنّي تعلّمت الكثير،فلقد تعلّمت من سؤالكِ العِبرة والعَبرة، فأما العِبرة فهي إن نور الإمامة لا يغيّبها شيء فهي نور يهتدي بها المؤمنون لتكون دليلهم للوقوف على حقائق الأمور فلعل سؤالكِ هو سؤالنا عندما يظهر إمامنا الحجة (عجّل الله فرجه)، وأما العَبرة فلما جرى على أخيك الحسين (عليه السلام)من تغيير بسبب فضاعة ما حصل له، فتسيل دموعنا ونلطم خدودنا ونجزع لما جرى في ذلك اليوم الذي اقرح أجفانكم.

فهذه هي عاشوراء، مدرسة لا تضاهيها مدارس العالم كله.
يومً واحد، ونظام متكامل.

✍بقلم: وجدان الشوهاني

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات