✍من بين الأدخنة…يتجلى صوت الحق.

 

طفحَ الكيلُ وتمادى صوتُ الباطلِ وكادت سحائبُ الظلامِ ان تسدلَ ستائرها على الحقيقةِ.

بعد أن اجتمع بضعةُ عشر رجلاً من نصارى نجران في كواليسِ الظلامِ يصولونَ ويجولونَ وكأنّ الدنيا ملكٌ عقيمٌ يقسمونها تارةً عرضاً وتارةً طولاً تقودهم أمانيهم التي جعلتهم كرعيانٍ أذلاءٍ ،يتكالبون على حطامِ الدنيا ،ويتمرغون بزيفها ليباروا الحق ويسدلوا ستائر الزيف على معراجِ الحقيقةِ..
ناسين او متناسين أن للباطلٍ جولةً وأن للحقِ صولةً تمحق كل مايأفكون ..

وماهي الا ساعات وتقترب ساعة الصفر ،
وعندها تسوَدّ وجوه وتبيَضّ وجوه فطوبى للفاتحين.

صوتٌ يصدح في خلجاتِ صدورهم: إطلبوه للمباهلة فإن باهلكم بأصحابه فلكم الغلبة وإن باهلكم باهل بيته فلا تباهلوا .

الكونُ كله الآن في ذهول امام القدر الإلهي المحتوم لكل باطل غشوم ،الناس حيارى لتلك المفاجأة وكأنها حلم ،لاتدري ماذا تصنع ،تقطعت السبل وتسارعت الخطوات ،إنها مشيئة الله ،انها أخذ عزيز مقتدر من نفوس حجبتها سحب الظلام عن رؤية الحقيقة وقادتها نشوة النصر المتأجج..
حطّوا رحالهم بزينتهِم، يلبسون الحرير الممزوج بالفضةِ والذهبِ، أمام نفوس زكية وطاهرة إختارهم الله لينيروا الوجود من جمال أنوارهم المنبعثة على حدود الدنيا.

حركاتٌ وسكناتٌ ،أفراحٌ وأتراحٌ،هدوءٌ وانزعاجٌ.
دخلوا عليه (صلى الله عليه وآله)

-فألقوا السلام.

رمقهم بنظرةٍ حادةٍ كالصاعقة تجلجل في سماء الدنيا …. او كالنيازك المسرعة لتخبرهم انه غير مرحب بهم اﻻن.

(وهذا إخطار من عصفور فكيف إذا انطلق الصقور )
فخرجوا من عنده حيارى والهزيمة تملأ قلوبهم،و يتعثرون بأذيال الخيبة، عبثاً يحاولون لملمة بقايا هيبتهم، لحظات واذا بلسان حال علي( عليه السلام) قائلاً:

لاتحتاروا إخلعوا زينتكم واقصدوه وكونوا كما هو، فسيردّ عليكم ويجيب عن سؤالكم.

فدخلوا عليه يترنحون حيارى لايدرون مايصنعون ،ويختلجهم ألف سؤال وسؤال
يتطلعون اليه بترقّب يرافقه ذهول وانشغال ،واذا بشذى صوته مرحِّبا بهم

وعليكم السلام.
.فتكلم كبير الأساقفة
وقالوا له (ص): هل رأيت ولداً من غير ذكر، فنزلت: “إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم…” فقرأها عليهم، فلمّا أصروا على عنادهم، نزل قوله تعالى:
فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْـمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ

من سورة آل عمران- آية (61)

فدعاهم رسول الله (ص) إلى المباهلة، فاستنظروه إلى صبيحة غد من يومهم ذلك، فلمّا كان الغد وماهي إﻻ لحظات واذا برسول الله (صلى الله عليه وآله) قد جاء بمعيته الحسن و الحسين (عليهما السلام) ، وخلفه فاطمة المتشحة بمُلاءة من نور ملكوتي، وخلفها نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين علي ( عليه السلام).

وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
كالشمس تظلّلهم من الشمسِ.

فأطال أسقف بنظره ونادى: جاءنا ليباهلنا باهل بيته وهم بقية أنبياء وأهل التقوى والصفوة ولم يأتنا بأهل الكبر والغنا والشدة.
«إن باهَلنا ـ محمد ـ بقومه باهلناه، فانه ليس بنبي، وان باهلنا بأهل بيته خاصة فلا نباهله فانه لا يقدم على أهل بيته إلا وهو صادق»!
فما أن رأى القوم أهل بيت النبي بين يديه حتى فزعوا وجبنت قلوبهم، وقال الأسقف: اني أرى وجوها لو أقسَمت على الله ان يزيل جبلاً من مكانه لأزاله، أفلا تنظرون محمدا رافعاً يديه ينظر ما تجيبون به وحق المسيح إذا نطق بكلمة لا نرجع إلى أهل ولا إلى مال، وجعل يصيح بهم:
ألا تنظرون إلى الشمس قد تغير لونها، والأفق تنجع فيه السحب الداكنة، والريح تهب سوداء وحمراء، وهذه الجبال يتصاعد منها الدخان، لقد أطلّ علينا العذاب..
قالوا للرسول (صلى الله عليه وآله): نعطيك الرضا فاعفنا عن المباهلة، فصالحهم على الجزية وانصرفوا خائبين خاسرين…
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): «والذي نفسي بيده، إن الهلاك قد تدلّى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمُسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يُهلكوا».

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات