الغدير رسالة النّبي للأمّة

 

ينتابني القلق بمَن هم حولي ، حتى إنّي بدأتُ أشُكّ في صحة عقيدتي في بعض الأحيان .
ها هو يوم الغدير يطلُّ علينا من جديد ، ولكنّي أرى ذلك اليوم من منظارٍ مختلف عن الكثيرين ، فالكثير يفهم من تلك الأحداث وما جرى بعد حادثة الغدير ، إنّ الخلاف شيعي سنّي فقط ولكنّي أراهُ أوسع من ذلك
فكما هو شيعي سنّي هو شيعي شيعي أيضاً .
فثرثرة العقل تقودني إلى تتبع أحداث ما جرى بدقةٍ متناهية لأفهم الرسالة السّماويّة التي بيّنها النبي ولأقف على حقيقة معتقدي ، عسى أن يرحل عنّي ذلك القلق . فما جرى لم يكن محض الصدفة ، وليس حدثاً عابراً ، فكلُّ ما حدث قد تمَّ بترتيبٍ إلهي .
ولأهمية الأمر ، كان تدبير الله حاضراً في كلِّ مفاصل الحادثة .
تلك الواقعة التي تبدأ
بقول الله جلَّ وعلا :
” يا أيها النبي بلّغ ”
فهذه الأية نزلت على النبي (صلوات الله عليه وآله ) في حجّه .وصيغة الأمر في الفعل (بلّغ ) ارهقتني بكثرة التفكير في معناها ، فهناك أمرٌ مهم وجب على النبي أن يبلّغ الأمة به وفي نفس الأمر تشير الى صفة ثابته في النبي وهي التبليغ ومن هنا جاء من صفاته (المبلّغ ) .
تُرى هل تلك الصفة يمكن أن تنتقل للبعض الذي سيخصهم الله بعنايته ؟
سؤال علينا أن لا نغفل عنه
ولكن لنكمل عسى أن نجد الإجابة
فالكلُّ ينتظر التبليغ المهم .
متى سيقوم النبي بتبليغه؟
فقد أنهى الجميع أعمال الحج ، وبدأ التهيؤ للعودة للديار بعد أن ودّع الجميع بيت الله الحرام .
لم يختر النبي أيُّ مكانٍ من الأماكن التي جرت بها فريضة الحج ، ليس تهاوناً كما يتصوره البعض حتى وصل التوهم لبعض الشيعة ، إنما المكان قد جرى وفق تدبير الله
فتلك الإماكن يكون الحاج فيها مشغولا بأعمال الحج ولن ينتبه الكثير لكلام النبي وهذا خلاف أهمية الأمر الذي الذي جاء في الأية .
بدأ المسير ، حتى وصل الجميع إلى مفترق طرق ، إنّه غدير خم ، هكذا هو اسمه ، وهكذا جرى تدبير الأله في أختيار المكان الذي يجمع كافة المسلمين من كلِّ البلاد ،جاء النداء
ليتوقف الجميع .
الكلُّ يسأل
ماذا جرى ؟…هل هناك شيء ؟
نعم .
فالنبي سوف يخطب بكم جميعاً قبل أن تفترقوا .
نصبوا للنبي منبراً ليراه الجميع ، خطب خطبته المعروفة ليعلن عن تنصيب علي بن ابي طالب (عليه السلام ) أميراً للمؤمنين وولياً وإماماً بعده . والكلُّ منتبه لذلك التنصيب ، ولكن السؤال
هل الكلّ يعي معناه ؟
مهلاً …لنعود إلى سؤالٍ طرحناه سابقاً يخص صفة (المبلّغ )
فجواب السؤال عن الصفة لا يفهمه إلّا من وعى حقيقة الولاية والإمامة وأمرة المؤمنين
فمعنى الولاية هو إنتقال كل صفات النبي وخصائصه إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام ) بإستثناء النبوة
فكما إنّه يجب على الأمة طاعة النبي يجب أيضاً طاعة علي بن أبي طالب
وفي كلِّ شيء حتى التبليغ.
فالخلاف الشيعي السني كان في إثبات المعنى وإنكاره ، بينما الخلاف الشيعي الشيعي كان في طاعة الإمام والسير على نهجه بكلِّ حذافيره ،فالطاعة ليست مقتصرة على صلاةٍ وصومٍ وغيرها من العبادات ، وإنّما الطاعة تكمن في نظامٍ إلهي متكامل على مستوى القيادة والإدارة و المنهج بالإضافة الى العبادة .
وهنا نفهم معنى السؤال الثاني
لإنّ الكثير لا يفهم إنّ الإمامة طاعة مطلقة في كلِّ شيء
فكم منّا يؤمن بإمامة علي (عليه السلام ) ، ويفرح بيوم الغدير ويبتهل لله ويرسل التهاني ، ولكنه إذا توّلى منصباً سياسياً نراه لا يسير بنهج علي فيسرق ، ولو كان طالباً أكاديمياً لا نراه يسير بنهج علي فيغش ، ولو كان بقالاً او موظفاً او او او وحتى النساء تفعل ما تفعل
فيضعنا فعلهم أمام سؤال
أين نهج علي ؟…وأين الولاية التي احتفلوا بها وقدموا التهاني بها ؟
لا أتكلم عن الجميع وإنّما كلامي للبعض
وهذا هو الخلاف الشيعي الشيعي
فعدم فهم معنى الولاية قادنا إلى متاهات ، ونحن من جعلنا دائرة الخلاف تتسع .حتى في المبايعة
فالجميع يعلم بحضور شخصيات بارزة ، كأبي بكرٍ وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وطلحة والزبير في تلك الواقعة .
ولو تمعّنا في الأسماء جيّداً سنجدهم أبطالُ لكثيرٍ من الأحداث التي جرت فيما بعد أهمّها السقيفة .
هذه الأسماء هي أوّل من لبتْ أمر النبي بعد أن بلّغ الأمّة بالأمر المهم وهو البيعة لعلي بن أبي طالب (عليه السلام ) وكانت مبايعتهم على مرأى ومسمع الجميع ، فكانوا ممّن أطاع الله والنبي في بيعتهم لعلي خصوصاً وإنهم نادوه بإمرة المؤمنين ، وهذا يعني إنّهم فهموا من خطبة النبي إنّ علياً أميرهم وتجب طاعته لإنها طاعة الله ونبيّه ،
ولكن هل ستستمر هذه الطاعة إن غاب عنهم شخص النبي ؟
فما جرى من أحداث السقيفة قد كشف حقيقة تلك المبايعة .
ولكن علينا أن نفهم أن السقيفة قد رسمت للأمّة منهجاً مغايراً لمنهج النبي وعلي ،وهنا نقف مندهشين
أمام البعض الذي يبايع الإمام في يوم الغدير بزيارة مرقده ولكنّه يسير بمنهج السقيفة بالخفاء .
أيّ نفاق يحمل هؤلاء
هذا النفاق الذي بان في تعاملهم مع المرجعية .

فالمقلدون كثيرون كما إن المبايعين لعلي (عليه السلام ) كثيرون
ولكن إن جئنا إلى التطبيق ، فلن نجد إلّا النزر القليل .
وهنا نفهم الربط الحقيقي بين ما جرى في واقعة الغدير وبين علاقتنا بالإمام الحجة (عجّل الله فرجه )و علاقتنا بمرجعيتنا .فرسالة النبي للأمّة ، رسالةٌ مهمة
تحتاج منّا مزيداً من الوعي ،والإنتباه .
فنكران إمامة علي (عليه السلام ) لا يختلف كثيراً عن إنكار التقليد لأنه سيقود لإنكار إمامة الحجة (عجّل الله فرجه ) ، وعدم السير بمنهج علي (عليه السلام ) لا يختلف كثيراً عن عدم الأخذ بوصايا المرجعية والسير وفق منهج الهوى الذي وضعه أهل السقيفة .
فاليوم مطلوب منّا ألّا ننظر للأمر من منظار المذهبية ، بل علينا أن ننظر لتلك الولاية من منظار التطبيق ، لأن وفق منظار التطبيق سيسقط الكثير سواءً على مستوى من يخالفنا في المذهب او يتفق معنا بالمذهب .
ولكي نزيل الأوهام والقلق الذي يكاد أن يقتل المنصفين .
أقول
أن رسالة النبي للأمّة في يوم الغدير عميقة في محتواها ، تحتاج للعقول الواعية
فنبيكم ينادي
وإمامكم ينادي
ومرجعكم ينادي

الولاية تطبيق منهج وليس فقط مذهب

فهل فيكم مَن يعي لذلك النداء ؟

بقلم / وجدان الشوهاني

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات