♦️عرفة …  يوم القرب من الرحمن والعتق من النيران

 

 

يقفُ الحجيج على صعيد عرفة يستمطرون رحمة الله تعالى ، ويرجون غفرانه ، ويكثرون من الدعاء والسؤال .
فللعبودية على ذلك الصعيد شكلٌ آخر .
لا أعلم لكنّه القرب الذي طالما قرأت عنه في كتب التوحيد ، فليس ذلك الوقوف إلّا صورة من ذلك الوقوف الآخروي الذي سيكون بين يدي الله سبحانه وتعالى .
فيتفضل الله جلَّ وعلا عليهم بالعفو والمغفرة والقبول ، ذلك التّفضل الذي يحمل معنى العتق ، فيكثر العتقاء من النار في هذا اليوم العظيم كما أخَبرنا نبينا الكريم صلى الله عليه واله وسلم حيث قال:
( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة)
فهو يوم العتق من النيران، والقرب من الرحمن.
فذلك القرب والعتق ليس مقصوراً على الحجيج بل شاملاً للجميع ومن هنا وردت جملة من الأعمال العبادية التي تنقل العبد روحياً الى ذلك الصعيد ، ليشاركهم في كلَّ شيء ، ويحظى بالقرب والعتق الذي حظي به الحجيج .
فقد ورد إستحباب الإكثار من الدعاء في يوم عرفة لقول النبي( صلى الله عليه وآله وسلم) : ” خير الدعاء دعاءُ يوم عرفة ” .
ولا يتوهم أحد إنّ إستجابة الدعاء جاءت لأنّه تم بعرفة ، فالدعاء مستجاب في أيِّ زمانٍ ومكان ما إن اجتمعت شروطه ، ولكنّ ليوم عرفة خصيصة تختلف عن غيره من الأيام ، تتمثّل بنوع العبادة التي تصدر من عباد الله بهدف إظهار عبوديتهم الخالصة لله سبحانه وتعالى .
فالحاج قد لبس ثوب الإحرام ووقف بعرفات إظهاراً للعبودية لله ، وكذلك غير الحاج وقف هو الآخر للدعاء إستظهاراً لتلك العبودية التي أظهرها الحاج ويزيد عليها بالصوم إن لم يضعفه الصيام عن الدعاء ،لأن الصوم المضعف عن الدعاء في يوم عرفه مكروه ، فكلُّ ذلك التوجه ما هو إلّا مظهرٌ من مظاهر إفتقار العبد لبارئه .
فقد ورد في هذا الشأن رواية عن النبي (صلى الله عليه وآله) لمّا سُئل عن صوم يوم عرفة أنّه قال :
(يكفّر السنة الماضية والسنة القابلة) فعبادة الحاج وغيره في كلِّ أرجاء الأرض تتنوع وبحسب الوسع والطاقة من ذكرٍ وصيامٍ غير معجزٍ عن الدعاء وتصدّق وغيرها من أعمال ، فالكلُّ في عبادة حتى غروب الشمس ، وبهذا تعمّ تجلّيات الرحمة والغفران للحاج وغيره.

ولا ننسى ان نُرفق تلك العبادات المقربة لله بالبعد عن المعاصي والذنوب ، لأن الذنوب حجاب للقلب عن تجلّيات أنوار الله على عباده، فإذا حُجب القلب بالمعصية، لم تصله الأنوار ، فيخسر فضل تجلّيات تلك الأيام المباركة.
وينبغي الحذر من آفات اللسان: من غيبة ونميمة وكذب وافتراء، ومن الغمز واللمز والهمز، إذ السيئات مشوهة للعبادة، ولا تنسجم معها.

ان يوم عرفة يوم أقسم الله به، والعظيم جلّ في علاه لا يُقسم إلّا بالعظيم ، فهذا اليوم هو: اليوم المشهود في قول القرآن الكريم {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ }
فعن النبي صلى الله عليه وآله قال: (اليوم الموعود : يوم القيامة، واليوم المشهود : يوم عرفة، والشاهد : يوم الجمعة) .

إنّ كلَّ مؤمنٍ يستشعر عظمة الله( عز وجل ) في هذا اليوم العظيم وإنّه قريب من رحمة الله تعالى وكأنّه في يوم المحشر ينتظر إجابة الدعاء من رب رحيم.

وأخيراً لنجعل هذا اليوم المبارك يوماً للطاعة والعبادة والتوبة، والبعد عن المعصية، ولنُظهر فيهِ صدق عبوديّتنا لله، وأستسلامنا لأمره، ولتكن صفحة جديدة في علاقتنا مع الله، لنعود كيوم ولدتنا أمهاتنا و ننوي القرب منه سبحانه والتوبة إليه فهو غفّار الذنوب ، وهو على كل شيء قدير.

بقلم / منى السعيدي

مجمع المبلغات الرساليات فرع البصرة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات