اسرار نجاح مدرسة الامام الصادق عليه السلام

 

ان الطرح الموضوعي الذي قدمته مدرسة الامام زين العابدين لحفيده الامام الصادق عليه السلام، يُعد لبنة اساسية متماسكة في بناء الصرح الجامعي الاصيل، لمدرسة اهل البيت.

فكانت موسوعيته العلمية، تصب في بحر متعدد الروافد، وتصدر عن نبع زاخر بمعارف سبقت عصره في كل معطياتها الجديدة، فقد مدّ الدراسات العليا في الاسلام بالتفسير وعلوم القران، ومعالم الحديث والدرايه، وعلمي الفقه واصوله، وما طوّق عنق البشرية من المنة في تفصيل القول بالعلوم، ولم تتقوقع هذه المدرسة على ذاتها، بل امتد عطاءها ليشمل مساحات كبيرة من الاقطار والاقاليم، استطاع الامام استقطاب صفوة العلماء في حلقات بحثه العالي،

فكانت المدرسة الجعفرية جريئة كل الجرأة، حينما أعلنت مدارسة المسائل الدينية الصرفة جنبا الى جنب مع المسائل الانسانية الدنيوية، وكان أثر ذلك، ان اصبح علماء الجعفرية في مختلف القرون، يناقشون المسائل في شؤون الدنيا والدين، ويثبتونها بقوانين العلم ومبادئه،
فلم تقتصر قدرة الامام في الاجابة على اي سؤال يُطرح عليه، بل انه كان يلاحظ عليه جانب آخر، وهو انه في اثناء قيامه بالعملية الاستدلالية لايعمد الى الأخذ بدليل واحد دون النظر في الادلة الاخرى، ولايكون العمل بأحد الادلة على حساب الاخر، فكان يستند الى كتاب الله وسنة جدة المصطفى ص، وكان يُشير الى آيات الكتاب، لتعليم السائل كيفية الاستدلال بالآيات القرآنية، فنجد الإمام، قد وضع القواعد الكلية وأدواتها الإستنباطية، حيث كانت المفاتيحُ العلمية، لتلقيح عقول الرجال بها، ولتطبيق الصغريات عليها، والتمرين على إرجاع كل حادثة وجزئية الى اصل من هذه الاصول .
دأب الامام على تربيتهم على الأخذ بجزئيات الاحكام الشرعية، دون زيادة او نقصان، بمعنى ان لايستنبطوا الاحكام، الا بالطرق الاستدلالية المشروعة، بعيدأ عن القياس والرأي، فكان أصحاب الامام، ينقلون الحكم بمضمون الرواية لأستخلاص المراد الشرعي .
وكان الامام منهجياً في وضع تلامذته في الموقع المناسب، وكان ينتقي ويختار لكل فن رجاله وابطاله، يراعي في ذلك القابلية، والأولاع الخاصة، والتخصص الدقيق، وهذا التخطيط في توزيع الواجبات العلمية على اربابها من ذوي التخصص، إجراء علمي عظيم، يشيد جبهة فكرية متطورة، لاتؤمن بالفرض والحتمية، بل تُحافظ على التوازن العلمي، وهذا من أهم اسرار نجاح مدرسة الامام في رعاية المناخ النفسي، لتربية تلامذته، وإعداد جيل ينسجم تخصصهُ مع رغبات الذات، فيُبدع التلميذ من حيث إقتصاره على موضوع واحد، يُحيط بأبعاده ِ كافة، ولم تكن هذه العناية وليده الصدفة، او نتيجة ظرف راهن، بل هي أمر مقصود، ومخطط له مسبقا، نجد عندما اوصى الامام الباقر ولده الصادق بتلامذته بما يرويه الامام الصادق نفسه: ((قال: لما حضرت ابي الوفاة قال: ياجعفر اوصيك باصحابي خيرا، قلت: جعلت فداك والله لأدعنّهم والرجل منهم في المصر لايسأل احدا ))
كانت اجابة الامام، دقيقة في بعدين اساسيين؛ البعد العلمي، والبعد الاقتصادي، فضمن الامام السؤال المعنوي والمادي لتلامذته، فيما نفذه من وصية ابيه .

وكان الامام يفصل بين المسائل العلمية، التي ينبغي نشرها، كعلم الفقه والكلام والحديث والتفسير، وبين الوصايا الخاصة، والاسرار التي لايجوز ذيعانها على الملأ، أي كان يراعي ويلاحظ قابلية طلابه، ويملي عليهم بقدر فهمهم واستيعابهم، ومن الاشارات الملفتة، ان الامام كان حريصا على اعطاء الشهادات العلمية لاصحابه، والترحم عليهم، وضمان الجنة لهم، وعلى سبيل المثال؛ قال: الامان بحق زرارة بن اعين، (رحم الله زرارة لولا زرارة ونظراؤه لاندرست احاديث ابي ).
ومن الجوانب المميزة في هذه المدرسة، حرية الرأي والتفكير، ولاسيما في قضايا الفكر المجرد،
وكان من الظواهر البارزة في تلامذة الامام، كان بعضهم من ذوي الصناعات الحرة، فكان ذلك له الاثر في انتشار علوم اهل البيت عليهم السلام، كونهم يستطيعون الغوص، في اعماق الشعب المسلم، فيلتقون بأكبر عدد ممكن، من اولياء الامام، دون رقيب او حسيب، وقد تخطتهم اعين الحاكمين، وان يتعرفوا عن قرب على مشكلات الاخرين، جلها او كلها، فيعالجون ذلك بما يتلقونه من الامام، فكان بامكانهم فض النزاع والخصام دون الرجوع الى الامام، كما ان قدرتهم على السفر بقصد التجارة والمقايضة، والبيع والاستيراد، فكانوا بعملهم هذا بمثابة السفارة العلمية، وحلقة وصل بين الامام وشيعته، في انحاء العالم. وهذا الامر لم يكن اعتباطيا، بل كان نوع من انواع التخطيط الايديولوجي، في تنظيم الدعاية والاعلام لاهل البيت، اضافة الى التنافس القَبلي على طلب العلم، فتدافعت القبائل، بأرسال النابهين من أفرادها، عسى ان يحضى أبناءها، برصيد من العلم، كل هذه الامور كان لها الأثر، في سيرورة علم الامام، وإنتشاره في الافاق، وفيه درس لنا، يجب أن نأخذ به، وقد فُتحت أبواب الحوزات العلمية، على مصراعيها ، للرجال والنساء ، الراغبين بعلوم أهل البيت عليهم السلام، بعد ان كانت صعبة المنال .

بقلم : مي داود

_

المصادر/الامام جعفر الصادق زعيم مدرسة اهل البيت عليهم السلام
فلسفة التربية .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات