لماذا العمل بروح الجماعة صعب المنال؟

إذا ترسختْ قيمةُ البرِ وقيمةُ التقوى ، سيندفع الإنسان نحو كلِّ ما يدخلُ ضمنَ هذين الأمرين ونحو كلِّ ما يُعززهما. والعمل الجماعي ليس مطلوباً مطلقاً وإنّما بما يندرجُ تحت هاتين الفضيلتين، قال تعالى:{وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}(١)، فالأصل هنا، إذا ترسّخ البرُّ وما يدخلُ تحته، و التقوى وما تدخلُ تحتها، عندها لا نحتاج إلى الكثيرِ من الإقناع بأهمية العمل بروح الجماعة، فبعد أن يدركها الفرد وينتمي لمجموعةٍ تعملُ بأحدِ مصاديق البر والتقوى؛ فالنتيجة قوة فعّالة مُستمّرة الإنجاز ولا تُهزم، يقول نابليون هيل:” إن المبدأ الذي يقوم عليه العقل الموجه هو أنّ اثنين أو أكثر من الناس ينهمكون في ملاحقة هدف محدد مع إتجاه ذهني إيجابي يشكلون قوة لا تهزم”(٢)، فمن أهم المفاتيح لتقدم الشعوب، والوصول إلى الصواب بشكل أسرع هو التعاون و أخذ عصارة الآراء والتجارب المُختلفة وصناعة إنموذج ، فذلك يجنّب الفرد فضلاً عن الجماعةِ جزءً كبيراً من الضغط وإضاعة الوقت، فهو بمثابة طيّ الزمن للوصول إلى الهدف، ويُعطي للعمل المُنجز قوة أكبر، ومع كل ميزات العمل بروح الجماعة، و رغم الإهتمام الذي يَلَقاه في كتابِ الله تعالى وفي الروايات كما روي عن رسول الله(صلى آلله عليه واله): “يد الله مع الجماعة”(٣)، وكذلك من العلماء والمعلّمين إلاّ إنّه صعبُ المنال، ويواجه نوع من الإختلال وعدم الإنتاجية المرجوّة، وإنسحاب الأفراد، وقد تصل إلى إنهيار الجماعة بأكملها.
وعند البحث عن الأسباب نجد أهمها الآتي :

١- عدم الكفاءة:
من أهم الأسباب عدم كفاءة القائد أو المسؤول، وأبرز علامات عدم الكفاءة: عدم الأهلية للتصدي، عدم وجود وازع أخلاقي، عدم القدرة على المتابعة لأفراد المجموعة وتقويمهم وتحفيز أفكارهم ،عدم مكافأة المبدعين، عدم مشاورتهم للافراد واستشارتهم.

٢- عدم إعطاء الحقوق:
عدم إعطاء كل فرد من المجموعة حقّه من الإهتمام سواء من قِبل المسؤول لأفراد المجموعة، أو بين فرد وآخر، فلا بد من الإهتمام بالجميع من قِبل الجميع، والأهتمام بكلِّ إنجاز وكلِّ رأي مهما كان بسيطاً وصغيراً، ومعالجة حالة التحفظ والإنعزال التي يعاني منها بعض الأفراد ومعرفة الأسباب من قبل المسؤول.

٣- التخندق:
من الأخطاء التي تقع بها المؤسسات التي تعمل بشكل جماعي هو البحث عن أشخاص يتوافقون مع توجهاتهم ووجهات نظرهم، وعدم الصبر والتأنّي، والتأمل في الآراء المختلفة، يوجدهناك بعض الثوابت والقيم التي ينبغي عدم الاختلاف بها وإحرازها من كلِّ فرد لكن هناك أمور توجد مساحة كبيرة لإبداء رأي مخالف قد يساهم في رفع فعالية وإنتاجية المجموعة.

٤- غريزة الأنا(الحسودة):
ومن أمثلته الخوف من المبدعين والناجحين ومحاربتهم غالباً، وهذا عائق للفرد الذي يعاني من هذا الخوف قبل أن يكون عائقاً للمجموعة، فإذا خاف الفرد من نجاح الآخرين الذين يعملون معه بنفس المطلب وقاطعهم وحاربهم
كيف سيتطوّر و يستفيد من خبرتهم ويجالسهم؟
روي عن أمير المؤمنين(عليه السلام):”جالس أهل الورع والحكمة وأكثر مناقشتهم، فإنك إن كنت جاهلا علموك، وإن كنت عالما ازددت علما”(٤)

٥- السعي وراء الكم وإهمال النوع:
ومن الأسباب و خصوصاً في المجاميع الثقافية الإسلامية، هو الأعتقاد بأن النجاح بقدر الأتباع، وتحول الفكر السليم والقيم والمبادئ الإسلامية إلى أرقام، مع هذا القياس لن يتقبل الفرد نجاح الآخر، فما على الفرد إلا القيام بعمله على أتم وجه؛ أما النتيجة والثمرة وعدد الأتباع فهو مرهون بأسباب عديدة، وليست هي غاية ما دام الهدف ساميا يندرج ضمن البر والتقوى.

هذه أهم الأسباب التي ينبغي الإلتفات إليها والسعي للتغلب عليها، والتي تحتاج إلى إخلاص، وجهد، ودقة، وعلم، وتواضع، وإيمان بالتعاون، ووضع المصالح الشخصية في الخلف وهدف المجموعة في الأمام، فهم كمَن شكّل بنياناً مرصوصاً لا يُخترق وعندها سيُكتب النصر.
وأكثر صفة ينبغي السعي للحصول عليها والإتّصاف بها سواء القائد أو المسؤول أو الفرد في المجموعة، هي تلك الصفة التي التي ذكرها ضرار بن ضمرة لمعاوية عندما قال له معاوية صف لي علي( عليه السلام) فقال:” كان والله فينا كأحدنا”(٥)، هذه الصفة لعلها خلاصة لعلاج كل الأسباب التي ذُكرت أعلاه،وعندها ستعمل المجموعة بعقل واحد وهي روحية العمل الجماعي بأيادٍ متعددة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) سورة المائدة، آية (٢).
(٢) كتاب العمل الجماعي/ إبراهيم الفقهي.
(٣) ميزان الحكمة/محمد الريشهري/ج١.
(٤) العلم والحكمة في الكتاب والسنة/محمد الريشهري.
(٥) بحار الأنوار/ العلامة المجلسي/ج٨٤

بقلم:أنعام العبادي

تعليق 1
  1. يقظان يقول

    كل التوفيق لحضرتكم وضعتم يدكم على المشكلة

    يقظان الخزاعي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات