من وسط الزحام

نسيرُ في طريقٍ مزدحمٍ حتى الظلام، ومن شدّةِ الزحام صار الناس لا يَرى أحدهم الآخر، فكلٌ مشغولٌ بنفسهِ، ويسير باتجاه غايته، لا يعبأ بمَن إلى جانبه، هل هو أخٌ، أو صديقٌ، أو غريبٌ، محتاجٌ أو غير محتاج؟
فكلُّ ما يهمّهُ أنْ يصل هو إلى ما يريد..
وهذا هو الظلام الحقيقي.
فليس الظلام هو انعدام الرؤية الظاهرية التي تكون بالعين المحسوسة، بل الظلام الحقيقي هو انعدام الرؤية القلبية نتيجة الانشغالات، حتى وصل البعض إلى مرحلةٍ لا يفكر إلاّ بنفسه!
وكلُّ ما يجولُ في خاطرِ السائرين بهذا الطريق هو اللحظة فقط، ولا يهمُّ ما بعدها خسارةً كانت أم ربحًا.
ولهذا أصبح الجميعُ في متاهةٍ، ومتى ما فكّر بالخروج من المتاهة يجدُ صعوبةً فيعود إلى متاهته يائسًا من الحلول مستسلمًا للظلام الذي أوقعَ نفسهُ فيه نتيجةَ السلوك والتفكير الخاطئين.
ومع كلِّ ذلك اليأس دائمًا ما يكونُ هناك أملٌ، ذلك الأمل الذي يخرج من وسط الزحام هو النور.
نورٌ يفتح للفقير والمسكين والغارق ببحر الخطايا بابًا من أبواب الرحمة الإلهية، فنرى البعض ينجذب بشكلٍ تلقائي نحو ذلك النور ليحظى بقبسٍ منه.
ذلك النور الذي يجذبُ أحيانًا حتى بعض المخطئين إليه لشدةِ قوته وتأثيره بالآخر فيُعلن التوبة مما بدر منه، إلاّ مَن وصل إلى مرحلةِ الطبع على القلوب، فذاك أمره قد انتهى، ولن يتأثرَ بشيءٍ؛ لأنَّ زحام الطريق الذي سار فيه وظلامه قد أخذَ مأخذه من قلبه فلم يعد يرى أحدًا سوى نفسه..
قد يتساءل البعض: تُرى ما ذلك النور؟ وما هي حقيقته؟
سأجيبُ: إنَّ حقيقة النور ما هي إلا رحمة الله (سبحانه وتعالى) التي تتخذ أشكالًا متعددة
فقد تكونُ كلمةً طيبةً تخرج من إنسان مؤمن، أو صدقةً، أو علمًا نافعًا، وقد يكون النور شهرًا فضيلًا أو ليلةً هي خيرٌ من ألفِ شهر أو…
طريقُ الله كله أُنسٌ، وجمال فيه الشفيع وفيه الحور العين وفيه ما لا عين رأت وفيه وفيه…
فالنورُ اليوم يخرج من وسط الزحام المظلم، قد نراه بصيصَ نورٍ لكنّه يُحيي فينا الأمل …
وحتمًا سيتّم الله تعالى نوره بخروج إمامِ عدلٍ، ألا وهو نور الله تعالى في أرضه الإمام الحجة بن الحسن (عجل الله فرجه),
فكيف ستكون الحياة بوجوده؟
اخرجوا من ذلك الزحام والظلام الذي أوقعتم أنفسكم به إلى ذلك النور؟
فلا يأسَ في ظلِّ رحمةٍ وسعت كلَّ شيء.

✍بقلم / وجدان الشوهاني

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات