كريم اهل البيت الامام الحسن الزكي (عليه السلام )

بسم الله الرحمن الرحيم
﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تطهيرا﴾
من شخصيات أهل البيت الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا
الإمام الحسن الزكي (ع)
هناك خصائص ثلاث تتجلى في شخصية الإمام الحسن الزكي(ع) وتستحق أن نقف منها موقف التأمل والتدبر:-

الصفة الأولى:- التضحية بالمقام الاجتماعي

الإمام الحسن(ع) كان يلقب بكريم أهل البيت، وهنا سؤال يطرح نفسه، لماذا يلقب الحسن بكريم أهل البيت؟
مع أن كل أهل البيت كانوا منابع ومناهل للكرم والعطاء، فلماذا الحسن بالذات يلقب بكريم أهل البيت؟
ربما يتصور الإنسان لأن الحسن كان يعطي أمواله ومنحه بلا تدقيق وبلا محاسبة، فلذلك لقب بكريم أهل البيت، جاءه رجل فطرق بابه، وقال:-

لم يخب الآن من رجاك ومن
أنت    جواد   وأنت   معتمد
لولا  الذي  كان  من أوائلكم
 حرك  من  دون بابك الحلقة
أبوك  قد  كان  قاتل الفسقة
كانت  علينا  الجحيم منطبقة

فأخرج إليه صرة من الدراهم والدنانير، قال:-

خذها    فإني   إليك   معتذر
لو كان في سيرنا الغداة عصا
لكن  ريب  الزمان  ذو  غير
 واعلم  بأني  عليك ذو شفقة
أمست  سمانا  عليك مندفقة
والكف   مني   قليلة   النفقة

لماذا لقب بكريم أهل البيت، هل لأنه كان يعطي أمواله بلا حساب؟

الإمام عندما يعطي أمواله فإنما يعطيها إما لمن يستحقها أو لمن لا يستحقها، فإن كان يعطي الأموال لمن يستحقها، فهذا ليس كرما، بل هو حق من حقوق المساكين والمحتاجين ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ 
وإن كان يعطي أمواله لمن لا يستحقها، فهذا تبذير، والتبذير حرام، فلماذا يوصف بكريم أهل البيت وهل أن شخصيته العظيمة العملاقة تقوم ببضع دراهم ودنانير يعطيها للآخرين، فيلقب بكريم أهل البيت؟
الإمام محمد بن علي بن الحسين لقب( بالباقر)، لأنه كان يبقر العلم بقرا، هذه صفة تتناسب مع شموخ مقامه، وعلو موقعه،
الإمام الحسين لقب بسيد الشهداء، هذه صفة تنسجم مع علو مقامه،
أما تلقيب الحسن بكريم أهل البيت لأنه يعطي بعض الدراهم والدنانير لمن يسأله فهذا ليس لقبا ينسجم مع شموخ مقام الإمامة، وعلو موقع الإمامة، ما معنى كريم أهل البيت؟
لبيان ذلك نتعرض لأمرين:–

الأمر الأول: مسألة الحاجة إلى المقام الاجتماعي/

علماء النفس يقولون: هناك حاجات نفسية ثلاث يحتاجها الإنسان حاجة ماسة وأساسية:
حاجة الإنسان للأمن النفسي: -الإنسان إذا لم يحصل على الأمن النفسي فإنه لا يمكنه أن يبدع، ولا أن يبتكر، لأنه لا يعيش الأمن والاستقرار.

حاجة الإنسان إلى الانتماء:- الانتماء إما لقبيلة، أو لشركة، أو عائلة، لأن الشعور بالانتماء يعطي الإنسان شعورا بالعزة والحماية.
حاجة الإنسان إلى التقدير الاجتماعي: الإنسان يحتاج إلى أن تقدر جهوده، أعماله، إلى أن يجعل في المقام الاجتماعي اللائق بشأنه، الإنسان إذا لم تعطى ولم تغذى فيه هذه الحاجة، وهي حاجته إلى التقدير الاجتماعي فإنه يصاب بالإحباط والخذلان، وبالتالي فهو لا يشعر بقيمة ذاته وجهوده.
من هنا نقول بأن كل إنسان يحتاج إلى مقام اجتماعي بين أبناء المجتمع، وهذا المقام يعبر عنه بالكرامة، بالحرمة
 ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ 
كل إنسان يحتاج إلى مقام اجتماعي، إلى كرامة، إلى حرمة، تصان حرمته، لا يعتدى عليه، لا تخدش كرامته، لا تضيع جهوده.

الأمر الثاني: -هل يمكن للإنسان أن يضحي بالمقام الاجتماعي؟

لا يجوز للإنسان أن يعرض موقعه ومقامه الاجتماعي للاعتداء، وللنيل والجرح، في علم الفقه يقولون هناك فرق بين الحق وبين الحكم: –
الحق يسقط بالإسقاط،
والحكم لا يسقط بالإسقاط،
أنت بإمكانك أن تسقط حقوقك، لكن ليس بإمكانك أن تسقط الأحكام التي تصونك وتصون كرامتك
، مثلا: أنا إنسان دائن، أدين شخصا بأموال معينة، أنا لي حق على هذا المدين، بإمكاني أن أسقط حقي
وأقول: أسقطت عنك الدين الذي لي على ذمتك.
ولكن هل يجوز لي أن أقول للآخرين اغتابوني كما ترغبون، هذا حق لي وأنا أسقطته فإنه لا يجوز له ذلك، لا يجوز له تعريض نفسه للغيبة، لأن حرمة الغيبة من الأحكام وليست من الحقوق حتى يستطيع إسقاطه.
الحق يرتبط بمصلحة شخصية، ولذلك يمكن أن يسقطه الإنسان، أنا لي حق على فلان وهو الدين، هذا الحق مصلحة شخصية، وبما أن الحق يرتبط بمصلحة شخصية، لذلك يمكن لي أن أسقطه، بينما الأحكام لا ترتبط بمصالح شخصية، بل ترتبط بمصالح اجتماعية عامة.
مثلا: الإسلام عندما يقول يحرم الغيبة، فهو لم يحرم الغيبة رعاية للشخص المغتاب فقط، لم يحرمها لأجل مصلحة شخصية، وهي مصلحة الشخص المغتاب، وإنما حرم الغيبة لأن خلق الغيبة يربي الإنسان الذي يغتاب الآخرين على النفاق، بئس الأخ أخ يطريك شاهدا، ويأكلك غائبا، فالغيبة تربي الإنسان على النفاق، وعلى أن لا يرى حرمة للآخرين، وعلى أن يعتدي على شخصيات الآخرين، فحرمة الغيبة ليست حقا من الحقوق، لأنها لا ترتبط بمصلحة شخصية، وإنما هي حكم من الأحكام، لأنها منوطة بمصلحة اجتماعية عامة، وهي حفظ أبناء المجتمع عن الصفات الذميمة، كصفة النفاق، وهتك حرمات الآخرين، وتتبع عورات الآخرين، فيجوز لك أن تسقط الحق، ولكن لا يجوز لك أن تسقط الحكم،
لذلك لا يجوز للإنسان أن يضحي وبموقعه الاجتماعي، وبكرامته، وحرمته، لأن ذلك حكم وليس حق حتى يسقط بالإسقاط،
لذلك ورد في الحديث الشريف: ”إن الله فوض لعبده المؤمن كل شيء، ولم يفوض له إذلال نفسه“.
لو فرضنا أن التضحية بالمقام الاجتماعي يحفظ مصلحة الأمة الإسلامية وترابطها، فهل يجوز لي أن أضحي بمقامي الاجتماعي؟
نعم يجوز، بل يجب،
الإمام أمير المؤمنين (ع) يقول:- ”لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن جور إلا علي خاصة“
من هنا نفهم موقعية الإمام الحسن الزكي (ع) ما ضحى إمام بموقعه الاجتماعي كما ضحى الإمام الحسن الزكي (ع) الإمام الحسن الزكي كان يعرف أنه إذا صالح معاوية سيعرض حرمته للهتك، سيعرض موقعه الاجتماعي للجرح، وللخدش، وللنيل والاعتداء وللظلم، ومع ذلك أقدم وضحى بهذا الموقع الاجتماعي في سبيل حفظ مصلحة الأمة، دخل عليه أعداؤه
، فقالوا: -أشركت يا حسن كما أشرك أبوك من قبل، ودخل عليه بعض شيعته وقالوا: السلام عليك يا مذل المؤمنين، وقال له بعض شيعته: ليتك مت يا حسن ولم تبايع معاوية، لقد رجعوا مسرورين بما أحبوا، ورجعنا مرغمين بما كرهنا.
الإمام الحسن تعرض لإهانات، واعتداءات على شخصيته وكرامته لم يتعرض لها أحد من أهل البيت(عليهم السلام )  إذن الحسن عندما أقدم على الصلح وضحى بالموقع الاجتماعي، وضحى بالشخصية الاجتماعية، والتضحية بالموقع الاجتماعي ربما تكون أعظم من التضحية بالنفس، فإن الإنسان قد يتحمل أن يقتل نفسه، ولكنه لا يحتمل أن يتعرض للإهانة، ربما يتحمل أن يريق دمه، ولا يتحمل أن يتعرض لاعتداء على شخصيته، وعلى كرامته، لذلك لقب بكريم أهل البيت، وليس لأنه يعطي أموال للآخرين، كل الناس تعطي أموال للآخرين،
حاتم الطائي كان المثل الأعلى بين العرب في الكرم والجود، الحسن لقب بكريم أهل البيت لا لأنه يعطي أموال، وينفق أطعمة، الكرم نوع من التضحية، الحسن لقب بكريم أهل البيت لأنه ضحى بأمر لا يضحي به الإنسان العادي، ضحى بشخصيته وموقعه الاجتماعي في سبيل حفظ مصلحة الأمة ووحدتها، وفي سبيل حفظ الأمور العامة للمجتمع الإسلامي، فهو ضحى بأمر عظيم لذلك لقب بكريم أهل البيت.
من هنا نفهم أن تضحية الحسن لا تقل عن تضحية أخيه الحسين،
الحسين ضحى بجسده، بحياته،
والحسن ضحى بحرمته، وبموقعه الاجتماعي العظيم، وتعرض للاعتداء الواضح، كل ذلك في سبيل مصلحة الأمة،
الحسين ضحى بحياته في سبيل إصلاح الأمة «ما خرجت أشرا ولا بطرا، ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح»
والحسن (ع) ضحى بموقعه الاجتماعي في سبيل مصلحة الأمة
«إن الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية هو لي، تركته لإصلاح أمر الأمة، وحقن دمائها» ”هما إمامان قاما أو قعدا“ فكل منهما ضحى بنوع من التضحية، وضحى بطريق من طرق التضحية.
إذن هذا هو السر في تلقيب، وتوصيف الإمام الحسن الزكي(ع)  بكريم أهل البيت.

الصفة الثانية:-
خشية الله تبارك وتعالى

يروي المؤرخون أن الإمام الحسن الزكي كان إذا توضأ للصلاة اصفر لونه، وارتعدت فرائصه، وكان إذا وقف على باب المسجد، وقف وقفة الذليل المستكين، وقال: «إلهي مسكينك ببابك، أسيرك بفنائك يا محسن قد أتاك المسيء، أنت المحسن وأنا المسيء، يا محسن تجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم»
لماذا يصفر لون الإمام الحسن وترتعد فرائصه وهو نقي تقي مطهر من الرجس، مصداق واضح للآية المباركة:-
 ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تطهيرا﴾
 فهل كان الإمام الحسن الزكي يخاف عذاب النار، أو يخاف محاسبة الملائكة؟
هناك فرق بين الخوف، وبين الخشية،

القرآن الكريم فرق بين هاذين المصطلحين، قال في وصف الأولياء الأتقياء: ﴿إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾
 وقال في وصف العلماء: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾
 فهناك خوف، وهناك خشية، وفرق بين الخوف والخشية.
الخوف:- هو الانفعال الناشئ عن توقع الألم، من يتوقع ألما ينفعل، فهذا الانفعال النفسي الناشئ عن توقع الألم يسمى الخوف، الإنسان الذي يصدر منه الذنب وتصدر منه المعصية، لأنه يتوقع حسابا ويتوقع ألما، ويتوقع عقابا، لذلك يصاب بالقشعريرة، بالانفعال النفسي، هذا يسمى خوف.
الخشية:- هي الخضوع الناشئ عن إدراك العظمة، من أدرك عظمة إنسان، فخشع له، كان خشوعه خشية وليس خوفا، الخشية لا تعني توقع ألم، مثلا: عندما تدخل على أحد العلماء العظام، فتصاب بالخضوع والهيبة والإجلال له، هذه خشية وليست خوفا، الخشية خضوع ناشئ عن عظمة، لذلك كانت الخشية من صفات العلماء، لأن العلماء بالله كلما تكاملت علومهم، وارتفعت درجاتهم في معرفة الله تبارك وتعالى، كان إدراكهم لعظمة الله تعالى أكبر، فكان الخضوع الناشئ عن إدراك عظمة الله أكثر سيطرة، وأكثر هيمنة على قلوبهم وعلى مشاعرهم 
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾
 والحسن (ع) من أوضح مصاديق العلماء، فكان ما يعتريه، وما يتجسد من خلال عبادته، هو من مظاهر الخشية، وليس من مظاهر الخوف.

الصفة الثالثة: -سمو النفس

نحن نعرف أن الإمام الحسن الزكي وغيره من أئمة أهل البيت (ع) لا يبالون باعتداء الآخرين، إذا اعتدى عليهم إنسان يبتسمون، ويمرون مر الكرام، ولا ينفعلون ولا تظهر عليهم سمات الغضب أو الانفعال، هل لأنهم لا يشعرون بأن لهم كرامة أو عزة كي لا يتأثروا بجرح الآخرين واعتداء الآخرين لهم، لماذا لا يغضبون لمثل هذه الاعتداءات، ولمثل هذا الجرح؟
ورد عن الإمام الحسن الزكي (ع) أن رجلا شاميا رأى الإمام الحسن في مكة المكرمة، قال: من هذا؟
قالوا: هذا الحسن ابن علي ابن أبي طالب، فشتمه وشتم أباه أمير المؤمنين، فلما انتهى من سبابه وشتمه التفت إليه الإمام الحسن وهو يبتسم، قال: يا هذا أظنك غريبا، ولعلك اشتبهت فينا، فإن كنت جائعا أشبعناك، وإن كنت طريدا آويناك، وإن كنت فقيرا أغنيناك، فهلا حولت رحلك إلينا، ونزلت ضيفا علينا، فإن لنا منزلا رحبا، وجاها عريضا، ومالا وفيرا، فما تمالك الرجل حتى انكب عليه يقبله.
ما معنى هذا التصرف، كيف لإنسان يعتدى على كرامته ثم يبتسم ويضحك، ويقول يا هذا إن كنت طريدا آويناك، أو جائعا أشبعناك؟ هذه الصفة نسميها بسمو الذات.
علم النفس فيه مدارس مختلفة: المدرسة السلوكية، المدرسة التحليلية،
الفلاسفة يقولون: الذاتي لا يتغير، وإنما الذي يتغير هو الأمر العرضي، أما الصفة الذاتية لا تتغير، مثلا: حرارة الماء، وحرارة النار،
هذا لا يختص بالأمور التكوينية، حتى في المقامات الروحية، في علم الكلام يقولون: هناك فرق بين مولوية الله، ومولوية الآخرين، الإنسان إذا عصى ربه، لماذا يعاقبه الله على ارتكاب المعصية؟ هناك مسلكان في علم الكلام:

المسلك الأول:

أن الله يعاقب الإنسان على المعصية لأنها هتك لحرمة الله، يعني عندما أعصي الله فقد هتكت حرمة الله عز وجل، لذلك فإن العاصي يستحق العقاب لأنه هتك حرمة ربه عز وجل

المسلك الثاني:

لماذا يعاقب الإنسان على المعصية؟
لا لأنه هتك حرمة الله، إنما عرض نفسه للوعيد ليس إلا، الله تبارك وتعالى صدر منه وعد ووعيد، وعد بالثواب على الطاعة، وتوعد بالعقاب على المعصية، فمن أطاع عرض نفسه للوعد،

هذا المسلك يختاره جمع من العلماء

كتب معاوية ابن أبي سفيان إلى الإمام الحسن الزكي (ع)
: أنا خير منك، لأن الناس أجمعت علي ولم تجمع عليك،
فكتب إليه (ع): إن الذين أجمعوا عليك بين مكره ومطيع، فأما المكره فهو معذور في كتاب الله،
وأما المطيع فهو عاص لله،
وأنا لا أقول أنا خير منك، لأنه لا خير فيك، فلقد برأني الله من الرذائل كما برأك من الفضائل.

المصدر :- قاعدة اللطف في الميزان

بقلم /شكريه حمود الفريجي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات